تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ج- أن الخطيب ذكر بعد تلك الصور الثلاث أقوال أهل العلم في وجوب العمل بما هذه حاله، فذكر في ذلك قولين: القول الأول القبول، وأن العمل يجب به، والقول الثاني أن مثل ذلك لا يجب العمل به، بينما ذكر في باب المدلس لأهل العلم أربعة أقوال تقدمت الإشارة إليها، ولو كان المراد عند الخطيب بالصورتين الأخيرتين التدليس دون الإرسال لما صح أن يقتصر عند نقله لأقوال أهل العلم على ذينك القولين.

ولا يصح أن يقال بأن ذكر الخطيب لهذين القولين في العمل بالمرسل إنما يشمل الصورة الأولى ويرجع إليها دون الصورتين الأخيرتين، لأن الخطيب قد صدر ذكره لهذين القولين بعد ذكره للصور الثلاث بقوله (وقد اختلف العلماء في وجوب العمل بما هذه حاله) فاسم الإشارة (هذه) لا يصح أن يقال بأنه راجع إلى أبعد مذكور وهو رواية الراوي عمن لم يعاصره دون ما عداه، لعدم القائل بذلك، فقد قال ابن حزم: "والإشارة بخلاف الضمير، وهي عائدة إلى أبعد مذكور، وهذا حكمها في اللغة، إذا كانت الإشارة بذلك أو تلك أو هو أو أولئك أو هم أو هي أو هما، فإن كانت بهذا أو هذه فهي راجعة إلى حاضر قريب ضرورة، وهذا ما لا خلاف فيه بين أحد من أهل اللغة، ولا يعرف نحوي أصلا غير ما ذكرنا" [20]، ونقل ذلك عنه الزركشي في البحر المحيط ولم يخالفه [21].

وعليه فإن المراد بقول الخطيب (بما هذه حاله) تلك الصور الثلاث لأنها هي القريبة الحاضرة في كلام الخطيب، وأما قصر المراد بها على أولى الصور فلا وجه له، ولا حامل عليه، مع ما فيه من نسبة وجود اللبس في كلام إمام أراد بكلامه تحرير المقام.

د- أن الخطيب قد ذكر في ذلك الباب اختلاف مسقطي العمل بالمرسل من أهل العلم في قبول مراسيل الصحابة، ولو قلنا بأن المراد بالمرسل عند الخطيب في قوله المتقدم ليس إلا رواية الراوي عمن لم يعاصره لكان من غير المناسب أن يورد ذلك الخلاف في مراسيل الصحابة تحت ذلك الباب، لأن رواية الصحابي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبيل رواية المعاصر الملاقي، ولو كان الخطيب لا يرى دخول رواية المعاصر الملاقي في الإرسال لكان من المناسب أن يعقد لمراسيل الصحابة على أقل تقدير باباً أو فصلاً مستقلاً، على أن تسميتها بالمراسيل كافية في إثبات دخول رواية المعاصر الملاقي في باب المرسل.

هـ- أن الخطيب لو أراد في تعريف المرسل نفي المعاصرة حقيقة وحكماً لكان قوله (رواية الراوي عمن لم يعاصره) كافياً في ذلك لعمومه، ولما احتاج إلى أن يزيد قوله (أو لم يلقه) بل إن هذه الزيادة حينئذٍ دليل على إرادته صورة زائدة على الصورة المذكورة، والله تعالى أعلم.


[1] الكفاية ص (21).

[2] قال عبد الله بن أحمد كما في العلل ومعرفة الرجال (3/ 189): "قرأت على أبي: يحيى بن عبد الملك ابن أبي غنية قال حدثنا سفيان عن نافع عن ابن عمر أنه كان يغسل ذكره، قال: أبي هو مرسل، أراه بينهما إسماعيل بن أمية".

[3] قال كما في تاريخ ابن معين (رواية الدوري) (3/ 328): "كل ما روى الأعمش عن أنس فهو مرسل وقد رأى الأعمش أنسا".

[4] قال كما في العلل له ص (85): "عثمان بن حكيم عن عثمان بن أبي العاص ليس بالمتصل وهو مرسل لأنه لم يسمع من عثمان".

[5] قال الترمذي في العلل الصغير ص (244): "سألت محمدا عن حديث أبي المثنى من هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الضحايا؟، فقال: هو حديث مرسل لم يسمع أبو المثنى من هشام بن عروة"، بل وفي الصحيح مواضع تدل على مثل ذلك.

[6] قال كما في المراسيل لابن أبي حاتم ص (15): "إبراهيم النخعي عن عمر مرسل وعن علي مرسل وعن سعد بن أبي وقاص مرسل".

[7] قال ابن أبي حاتم كما في المراسيل له ص (18): "سمعت أبي يقول: بيان عن علقمة والأسود مرسل لم يدركهما".

[8] قال في سننه ح (178)، (1/ 45): "وهو مرسل إبراهيم التيمي لم يسمع من عائشة".

[9] قال في سننه ح (1270)، (3/ 570): "هذا حديث مرسل، عون بن عبد الله لم يدرك ابن مسعود".

[10] حيث أخرج في سننه (4/ 219) حديثاً فيه ذكر مطرف بين ابن أبي هند وعثمان بن أبي العاص ثم رواه بدون ذكر مطرف ووصفه بالإرسال، وهذا نص قوله: "أخبرنا قتيبة قال حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن سعيد بن أبي هند أن مطرفا حدثه أن عثمان بن أبي العاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول صيام حسن ثلاثة أيام من الشهر، أخبرنا زكريا بن يحيى قال أنبأنا أبو مصعب عن مغيرة بن عبد الرحمن عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن محمد بن إسحاق عن سعيد بن أبي هند قال عثمان بن أبي العاص نحوه مرسل".

[11] حيث قال في مسنده (1/ 181): "لو ذكرنا كل ما روي عن أبي بكر؛ مرسلٍ ومنكرٍ وضعيف الإسناد إلى أبي بكرٍ لكثر ذلك" فوصف الرواية المنقطعة عن أبي بكر بالإرسال.

[12] حيث قال في صحيحه (3/ 115): "غلطنا في إخراج هذا الحديث، لأن هذا مرسل، موسى بن أبي عثمان لم يسمع من أبي هريرة".

[13] قال في معرفة علوم الحديث ص (28): " والنوع الثالث من المنقطع أن يكون في الإسناد رواية راو لم يسمع من الذي يروى عنه الحديث قبل الوصول إلى التابعي الذي هو موضع الإرسال ولا يقال لهذا النوع من الحديث مرسل إنما يقال له منقطع".

[14] المستدرك على الصحيحين (1/ 283).

[15] المستدرك على الصحيحين (2/ 585).

[16] المستدرك على الصحيحين (3/ 525).

[17] انظر مقدمة صحيح مسلم ص21 - 22.

[18] الكفاية ص (384).

[19] انظر إحكام الأحكام للآمدي (3/ 59).

[20] إحكام الأحكام لابن حزم (4/ 436).

[21] انظر البحر المحيط (4/ 435).
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير