تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[هل النصراني يرى عيسى ابن مريم عند الاحتضار؟]

ـ[محمد أبو عائشة]ــــــــ[12 - 11 - 10, 11:56 م]ـ

قال ابن جرير: اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك ?وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به? يعني بعيسى قبل موته يعني قبل موت عيسى يوجه ذلك إلى أن جميعهم يصدقون به إذا نزل لقتل الدجال فتصير الملل كلها واحدة، وهي ملة الإسلام الحنيفية دين إبراهيم ... وقال آخرون: يعني بذلك: وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بعيسى قبل موت الكتابي ....

وأولى الأقوال بالصِّحَّة والصواب قول من قال تأويل ذلك: وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بعيسى قبل موت عيسى، وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب من غيره من الأقوال؛ لأنَّ الله جلَّ ثناؤه حكم لكل مؤمنٍ بمحمدٍ بحكم أهل الإيمان في الموارثة والصلاة عليه وإلحاق صغار أولاده بحكمه في الملة، فلو كان كل كتابي يؤمن بعيسى قبل موته لوجب أن لا يرث الكتابي إذا مات على ملَّته إلا أولاده الصغار أو البالغون منهم من أهل الإسلام إن كان له ولدٌ صغيرٌ أو بالغٌ مسلمٌ، وإن لم يكن له ولد صغير ولا بالغ مسلم كان ميراثه مصروفاً حيث يصرف مال المسلم يموت ولا وارث له، وأن يكون حكمه حكم المسلمين في الصلاة عليه وغسله وتقبيره؛ لأن من مات مؤمناً بعيسى فقد مات مؤمناً بمحمدٍ وبجميع الرسل، وذلك أن عيسى صلوات الله عليه جاء بتصديق محمدٍ وجميع المرسلين، فالمصدق بعيسى والمؤمن به مصدق بمحمدٍ وبجميع أنبياء الله ورسله كما أنَّ المؤمن بمحمدٍ مؤمن بعيسى وبجميع أنبياء الله ورسله فغير جائز أن يكون مؤمناً بعيسى من كان بمحمدٍ مكذباً فإن ظنَّ ظانٌّ أن معنى إيمان اليهودي بعيسى الذي ذكره الله في قوله: {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته}، إنَّما هو إقراره بأنَّه لله نبي مبعوث دون تصديقه بجميع ما أُتي به من عند الله فقد ظن خطأ، وذلك أنه غير جائزٍ أن يكون منسوباً إلى الإقرار بنبوة نبيٍّ من كان له مكذباً في بعض ما جاء به من وحي الله وتنزيله بل غير جائزٍ أن يكون منسوباً إلا الإقرار بنبوة أحدٍ من أنبياء الله؛ لأنَّ الأنبياء جاءت الأمم بتصديق جميع أنبياء الله ورسله فالمكذب بعض أنبياء الله فيما أتى به أمته من عند الله مكذب جميع أنبياء الله فيما دعوا إليه من دين عباد الله، وإذ كان ذلك كذلك كان في إجماع الجميع من أهل الإسلام على أن كل كتابي مات قبل إقراره بمحمدٍ صلوات الله عليه، وما جاء به من عند الله محكوم له بحكم المسألة التي كان عليها أيام حياته غير منقول شيء من أحكامه في نفسه وماله وولده صغارهم وكبارهم بموته عما كان عليه في حياته أدل الدليل على أن معنى قول الله: ?وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته? إنما معناه: إلا ليؤمنن بعيسى قبل موت عيسى، وأن ذلك في خاص من أهل الكتاب، ومعني به أهل زمان منهم دون أهل كل الأزمنة التي كانت بعد عيسى، وأن ذلك كائن عند نزوله. تفسير الطبري (6/ 22) باختصار.

وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: فإن قيل: قد ذهبت جماعةٌ من المفسرين، من الصحابة فمن بعدهم إلى أن الضمير في قوله: {قبل موته} راجع إلى الكتابي، أي: إلا ليؤمنن به الكتابي قبل موت الكتابي. فالجواب: أن يكون الضمير راجعاً إلى عيسى، يجب المصير إليه، دون القول الآخر، لأنه أرجح منه من أربعة أوجه: الأول: أنه هو ظاهر القرآن المتبادر منه، وعليه تنسجم الضمائر بعضها مع بعض. والقول الآخر بخلاف ذلك. الوجه الثاني: من مرجحات هذا القول، أنَّه على هذا القول الصحيح، فمفسر الضمير، ملفوظ مصرح به، في قوله تعالى: ?وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ?وأما على القول الآخر فمفسر الضمير ليس مذكوراً في الآية أصلاً، بل هو مقدر تقديره: ما من أهل الكتاب أحد إلا ليؤمنن به قبل موته، أي موت أحد أهل الكتاب المقدر. ومما لا شك فيه، أن ما لا يحتاج إلى تقدير، أرجح وأولى، مما يحتاج إلى تقدير. الوجه الثالث من مرجحات هذا القول الصحيح، أنه تشهد له السنة النبوية المتواترة، لأنَّ النبي ? قد تواترت عنه الأحاديث بأن عيسى حي الآن، وأنه سينزل في آخر الزمان حكماً مقسطاً. ولا ينكر تواتر السنة بذلك إلا مكابر.

الوجه الرابع: هو أن القول الأول الصحيح، واضح لا إشكال فيه، ولا يحتاج إلى تأويل ولا تخصيص بخلاف القول الآخر، فهو مشكل لا يكاد يصدق، إلا مع تخصيص، والتأويلات التي يروونها فيه عن ابن عباس، وغيره، ظاهرة البعد والسقوط لأنه على القول بأن الضمير في قوله: ?قبل موته? راجع إلى عيسى، فلا إشكال ولا خفاء، ولا حاجة إلى تأويل، ولا إلى تخصيص.

وأما على القول بأنه راجع إلى الكتابي فإنه مشكل جدّاً بالنسبة لكل من فاجأه الموت من أهل الكتاب، كالذي يسقط من عالٍ إلى أسفل، والذي يقطع رأسه بالسيف وهو غافل، والذي يموت في نومه ونحو ذلك، فلا يصدق هذا العموم المذكور في الآية على هذا النوع، من أهل الكتاب، إلا إذا ادعى إخراجهم منه بمخصص. ولا سبيل إلى تخصيص عمومات القرآن، إلا بدليل يجب الرجوع إليه من المخصصات المتصلة أو المنفصلة. أضواء البيان (7/ 113) باختصار، وانظر: تفسير ابن كثير (1/ 367).

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير