تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد اختصر أبو الوليد الطيالسي بيان ذلك في عبارة دقيقة كما عند اللالكائي (437) فقال: «القرآن كلام الله، والكلام في القرآن الكلام في الله» وصدق رحمه الله، لأنّ القرآن كما بيّن أصحاب النبي (من الله)، وعليه فإنّ أي اعتقاد يعتقده العبد في القرآن يكون اعتقاداً في الله الذي تكلم به، وذلك أنّ كلام الله صفة من صفاته، وصفته تعالى مما يدخل في مسمّى اسمه، وهذا يقال في سائر الصفات، كالقدرة والحياة والسمع والبصر فإنها كلها (من الله)، أي مما يدخل في مسمّى اسمه، كما بيّن ابن تيمية في (التسعينية 1/ 363 - 364).

ومن هنا ثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه أن من حلف بالقرآن فعليه بكل آية منه يمين، ولما سمع من حلف بسورة البقرة قال: «أتراه مُكفّراً؟ فعليه بكل آية منه يمين». (رواه عبد الرزاق (8/ 472 - 473)، واللالكائي (378، 379)).

واليمين التي تلزم فيها الكفارة هي التي تكون بالله أو باسم من أسمائه أو صفة من صفاته، فمن حنث لزمته الكفارة، أما إذا كانت اليمين بشيء من المخلوقات فإنها لا تنعقد أصلاً، ومن حنث فلا كفارة عليه، كما لا يخفى، وبه نعلم أن إلزام ابن مسعود مَن حلف بالقرآن أن يكفّر دليل على أنّ القرآن عنده غير مخلوق، كما أوضحه اللالكائي حين رواه، وقد حكى الشافعي عن مالك أن من حلف بعظمة الله وقدرته ونحوهما فحنث فعليه الكفارة، ثم قال الشافعي: ومن حلف بغير الله كالكعبة فحنث فلا كفارة عليه، قال: «لأن هذا مخلوق، وذلك غير مخلوق» (رواه البيهقي في الأسماء والصفات (565)).

وبناءً على ما تقدم فلا وجه للتوقف في كون كلام الله غير مخلوق، فضلاً عن نسبة ذلك للصحابة فمنهج الصحابة في القرآن يُعرف منه حقيقة قولهم في هذه المسألة، حتى لو لم يثبت عنهم حرف واحد في النص عليها بعينها، وهذا سبب إصرار علماء الأمة على الجزم بأنّ القرآن غير مخلوق، كما تقدم.

والذي ينبغي للباحث في موقف الصحابة أن يدقق في رواية عمر بن دينار الثابتة عنه، فإنّ فيها بيان الحال الذي كان عليه المسلمون قبل نشوء مقالة الجهمية الشنيعة في القرآن، وأن المنهج الذي رسمه أصحاب النبي أنتج هذا الاتفاق العظيم في تلاميذهم وتلاميذ تلاميذهم، فلا ينبغي نسف هذا كله والرجوع لقولٍ حدث بعد الصحابة بدهر طويل، وفيه ما فيه من إشكال كبير بيّنّاه فيما تقدم.

الأمر الثالث

ما يقول أبو عبد الرحمن في الحجج التي أوردها علماء السنّة، لبيان أنّ القرآن غير مخلوق؟

لقد نص هؤلاء الأئمة على براهين لا يسع المنصفَ أن يهملها، من أهمها ما تقدم بيانه قريباً من أنّ القرآن (من الله) وليس من الله تعالى شيء مخلوق، وثمة أدلة كثيرة أسوق بعضا قليلاً منها فيما يأتي:

1 - أن القرآن من علم الله، وعلم الله لا يكون مخلوقاً، كما بين (الآجري 1/ 489).

وروى الآجري (175) أن الإمام أحمد قال: «ليس شيء أشد عليهم مما أدخلتُ على من قال: القرآن مخلوق، قلتُ: علم الله مخلوق؟ قالوا: لا، قلت: فإن علم الله هو القرآن».

واحتج أحمد على ذلك بآيات من القرآن كقول الله: ?وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ? (البقرة:120) وقوله: ?وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آَيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ? (البقرة:145).

وأوضح أحمد أيضاً كما في (السنة للخلال (1865)) أن مما يترتب على القول بخلق القرآن أن الله لم يكن له علم حتى خلقه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير