تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

علاّمة العراق الشيخ أمجد الزهاوي

ـ[العوضي]ــــــــ[28 - 11 - 08, 07:18 م]ـ

بقلم الأستاذ:عبدالله الطنطاوي

15/ 03/2007

هناك رجال حياتهم خير، ومماتهم خير، فهم يبقون في ذاكرة الشعوب والأفراد، يذكرون أولئك الأخيار الأبرار، ويتأسون بهم، فيستمر خيرهم زمناً طويلاً. وهناك رجال، حياتهم شر، ومماتهم شر، وقد عرفنا بعض هؤلاء. وكان الشيخ أمجد من الفريق الأول، فقد عاصر أخطر الحوادث في العالم الإسلامي والوطن العربي، وكان يؤدي دوره الكبير في هذه الحقبة الحرجة من تاريخ الإسلام والمسلمين، وتسجَّل أعماله ومواقفه بأحرف من نور، فقد عاش للإسلام وللإسلام، فكان حياً في قلوب الناس، وتجرد لله، فأحبّه الناس، ولا ينبغي إلا أن يكون حاله هكذا، فمن عمل لله، ولمصلحة المسلمين، وضحّى بعمره كله في سبيل هذين الهدفين العظيمين، أحبّه الله، وبارك عمله، وجعله محبوب الجماهير المؤمنة.

ولادته ونشأته:

وُلد الشيخ أمجد في مدينة بغداد سنة 1300هـ - 1882م لأبوين كريمين، ومن أسرة علم وفضل ودين وإفتاء، فأبوه الشيخ محمد سعيد مفتي بغداد، وجدّه الشيخ محمد فيضي كان مفتي بغداد أيضاً، وهذا هو ابن الشيخ أحمد بن حسن بيك بن رستم، بن خسرو بن الأمير سليمان باشا، رئيس الأسرة البابانية التي تعود أصولها إلى أرومة عربية عريقة تنحدر من بني مخزوم، وهم من سلالة البطل العظيم خالد بن الوليد سيف الله المسلول، رضي الله عنه وأرضاه، وتحتفظ هذه الأسرة الكريمة بشجرة النسب، وتذكره في المناسبات.

نشأ الشيخ أمجد في رعاية جدّه المفتي الشيخ محمد فيضي الذي كان يحبّه ويربيه ويرعاه منذ طفولته، فقد كان يتوسم فيه النبوغ والذكاء، وكان جدّه يقول: «إن حفيدي أمجد أحبّ إليّ من ابني».

تعليمه:

تلقّى تعليمه الأوّلي على يدي والده وجدّه، وكلاهما عالم فاضل، ومربّ حكيم، ثم انطلق إلى مجالس العلماء في بغداد، يستمع إليهم، ويحاورهم فيما يشكل عليه، ويستمعون إلى الفتى الذي غدا عالماً في الشريعة، فقيهاً، يقتنص الشوارد في الفتاوى والأحكام، ولغوياً أديباً، ثم رحل إلى الآستانة عاصمة الدولة العثمانية، ودرس في كلية القضاء، وتخرج فيها بتفوّق عام 1906.

واستمرّ الشيخ في تحصيله العلمي حتى غدا فقيهاً حنفياً متمكناً، يقول علي الطنطاوي عنه: «ولقد بقيت معه أكثر من سبعة أشهر، وكنت أجالسه كل يوم أربع ساعات أو خمساً على الأقل، كان يتكلم فيها، على الغالب، وحده، فما سمعت منه من الأحاديث المعادة أو الآراء المكررة إلا القليل».

وليس هذا بمستغرب على فقيه مجتهد بارز بين علماء المسلمين في عصره، فهو كبير علماء العراق، ومن كبار علماء المسلمين، ورجل الفتوى بينهم، ذاع صيته في الآفاق، وتعلّقت به القلوب، وكان مرجعاً كبيراً ترد إليه الأسئلة والاستفتاءات من سائر أرجاء العالم الإسلامي، ويجيب عليها، وقد أطلقوا عليه بحق، لقب «أبو حنيفة الصغير» لإحاطته بالمذهب، واستيعابه وإدراكه الذكي لدقائق المسائل الفقهية في هذا المذهب، حتى قال قائلهم: لو فُقد المذهب الحنفي، واندثرت كتبه، لأملاه الزهاوي عن ظهر قلب، من أول أبوابه حتى خواتيمها.

صفاته:

كان غنياً، ولكن منظره يوحي بالفقر، فقد كان يملك 16 ألف دونم من الأرض، ولكنه زاهد حقاً، وقلبه مسكون بمراقبة الله وذكر الآخرة، لا يفرح بما آتاه الله من مال فرحاً يطغيه وينسيه دينه، ولا يحزن إذا فقد ما أعطاه الله، ولا يقنط من رحمته. كان في شبابه يؤثر الانعزال عن الناس، منفرداً بكتبه وتلاميذه وأولاده، فلما ترك العمل، وبلغ السن التي يستريح فيها أمثاله، انتفض انتفاضة، فإذا هو يرجع شاباً في جسده وفي همته، يختلط بالناس، في حيوية ونشاط، حتى بلغ به الأمر أن يرأس أكثر الجمعيات التي تأسست، وإذا هو يصلح مدارس الأوقاف، ثم يفتتح مدرسة ابتدائية، وثانوية خاصتين. وكان مضرب المثل في العفّة والورع والنزاهة والأمانة والصلابة في الحق، وكان فوق الشبهات، ولا يخشى في الله لومة لائم، ومواقفه والحوادث التي تدل على ذلك كثيرة وكثيرة جداً.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير