[الشيخ المحدث الفقيه المعمر القاضي محمد بن مسلم بن عثيمين]
ـ[ابن الحسيني]ــــــــ[31 - 12 - 08, 10:38 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فإنّ من علماء الإسلام الذين نفع الله بدعوتهم، وسارت بمناقبهم الأخبار، شيخنا المعمر المحدث الفقيه الناسك القاضي محمد بن مُسْلِم بن عثيمين حفظه الله تعالى ورعاه، وجعل الجنة داره ومثواه، وقد سألته عن مولده فقال بأنه عام 1332، وقال بأن أمّه تقول بأنه قبل ذلك، فهو الآن مقارب لتمام المائة عام بارك الله في عمره، وختم له بالخير.
نشأ في وادي الدواسر، واتجه إلى طلب العلم، وكان من أول العلوم إتقاناً له علم الفرائض عند شيخ ضرير يقال له عبدالرحمن بن مطلقة، قال شيخنا: ولم أرحل للرياض إلا وأنا فرضي.
قال شيخنا: وكان عنده دكان يجتمع فيه الطلاب ويقرءون عنده، فكانوا يتكلمون عن الرياض وما فيه من علماء فحبب إليّ السفر إلى الرياض فسافرت لطلب العلم.
وقد تقلد شيخنا مناصب عدة خلال حياته العلمية من كونه مرشداً دينينا ثم قاضياً في مدينة البدع إلى أن وصل به الأمر إلى القضاء في صامطة، وكان له الأثر البالغ في تذليل المصاعب أمام الشيخ المجدد عبدالله القرعاوي رحمه الله تعالى، حيث نصر طلاب العلم، وأعانهم على إزالة المنكرات، وتعليم الناس أصول الدين، ومبادئ الشريعة، وقد أخبرني شيخنا العلامة أحمد النجمي رحمه الله تعالى ببعض مآثره الحسنة في صامطة وما جاورها، ومثل ذلك أخبرني الشيخ العلامة هادي طالبي، وذكر لي من قوة الشيخ وصرامته، حتى بلغت شهرته، وقوة قضائه بالحق إلى أهل اليمن، فيهدد المظلوم ظالمه بالشيخ!.
ومن الطُّرَفِ ما أخبرني به الشيخ المذكور أن رجلاً رفسه حماره فآلمه، فقال الرجل: والله لولا خوفي أن يقضي في ابن مسلم لضربتك!!.
ثم انتقل شيخنا إلى القضاء في رنية حتى أحيل للتقاعد، وفي كلّ ذلك الشيخ مواصل للتعليم والإرشاد والإمامة والخطابة في رنية، وإليه المرجع في الفتيا لأهل رنية والقرى المجاورة لها.
وأما عن أصول شيخنا العلمية فأكثر الشيخ الأخذ عن اثنين من العلماء، وهما:
الأول: الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ حيث لازمه قرابة خمس سنين، منها ثلاث سنين على وجه التمام، قرأ عليه أطرافاً من الكتب العلمية، ونصّ شيخنا على مقروءاته منها، وهي: موطأ الإمام مالك، وبلوغ المرام، ورد الدارمي على المريسي، ونخبة الفكر.
والثاني: الشيخ محمد بن عبدالعزيز بن مانع رحمه الله، قرأ عليه شيخنا في الفقه، ولم يفصح لي عن تفصيل مقروءاته عليه غير أنه أثنى عليه كثيراً في فقهه وحفظه.
ويتميز شيخنا رحمه الله تعالى بمزايا جليلة في العلم الشرعي، منها شموليته في أبواب العلم، فقد استفدت منه كثيراً في علم التوحيد والسنة، وكذلك أبهرني في الفقه وأصوله واستحضاره للخلاف، وكذا علم الحديث وعنايته بالأثر، وكذلك التفسير وبراعته فيه، وكذلك الفرائض وقسمتها، ودرايته الفائقة بقواعد اللغة العربية، وفقه اللغة، وإتقانه للشعر حفظاً ونقداً، وعلمه بالسيرة والتاريخ، وغير ذلك من جوانب براعة شيخنا في العديد من العلوم، مع سرعة البديهة، وقوة الذاكرة، ورحابة الصدر، ومحبة الطلاب، ولين الجانب معهم، والصبر على ملازمتهم له، بل ويشاركهم في رحلاتهم وزياراتهم.
وقد سعدت بزيارته عام 1424هـ والقراءة على يده حتى ختمت "موطأ" الإمام مالك بن أنس كاملاً، وقرأت "نخبة الفكر" و"ثلاثة الأصول" و"الحيدة" للكناني، وبرفقتي الشيخ الأديب النسيب الشريف سلطان بن سعد بن لؤي حفظه الله تعالى.
فقد كنت أرحل إليه بين أسبوع وآخر من الطائف إلى رنية قرابة (350كلم) للقراءة عليه والاستفادة منه، ويذهب تعب السفر، وعناء الرحلة رحابة صدر الشيخ، وكريم حفاوته.
فكان يقول: (بدر يشرح الصدر) ويقول: (سلطان ملأ الله قلبه بالإيمان)، ولما أطلت المكث عنده ذات مرة وأردت الارتحال، مسك الشيخ بيدي، وقال بصوت الحزين: والله كأنكم تقطعون من قلبي يوم تروحون من عندي.
¥