تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

- إنّ ما تقدم ليس دعوةً للتقليد؛ فإنّ التقليد –وهو: قبول قول الغير من غير معرفة دليله- لا يجوز لمن تحققت أهليته واتسع وقتُه، بل هي دعوة للاتباع الصادق، وإنزال الناس منازلهم، ووضع الأمور في مواضعها، والعدل في القول والعمل، ومعرفة أنّ لسلفنا الصالح منهجاً فريداً متكاملاً في العلم والعمل، نابعاً من الكتاب والسنة، وما عليه الصحابة الكرام، فكانوا بحق هم أجدر من يقتدى بهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام، وفي الصحيحين من حديث عَبيدة السلمانيّ عن عبدِ الله بن مسعود قال: ((سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الناس خير؟ قال: قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته)).

والأمر كما قال شيخ الإسلام ابنُ تيمية: ((ومَنْ آتاه اللهُ علماً وإيماناً عَلِمَ أنّه لا يكون عند المتأخرين من التحقيق إلا ما هُو دونَ تحقيقِ السلفِ لا في العلم ولا في العمل)).

- وثمتْ أمر آخر تنطوي عليه كلمة "هُمْ رجالٌ ونحنُ رجال" وهو تزكية النفس وقد دلَّ الكتاب والسنة على المنع من ذلك قال تعالى {فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اتَّقَى} وقال سبحانه {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلْ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ} وروى مسلم في صحيحه من حديث يزيدَ بنِ أبي حَبيب عن محمد بن عمرو بن عطاء قال: سمّيتُ ابنتي برَّةَ، فقالتْ لي زينبُ بنتُ أبي سلمة:إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا الاسم، وسُمِّيتُ برَّة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تزكوا أنفسكم، الله أعلم بأهل البرِّ منكم، فقالوا: بم نسمّيها؟ قال: "سموها زينب".

فطالبُ العلمِ الصادقِ لا يزكي نفسَه تصريحاً أو تلميحاً، قال ابنُ رَجب: ((وأمَّا مَنْ علمه غيرُ نافعٍ فليس له شغل سوى التكبر بعلمه على الناس، وإظهار فضل علمه عليهم ونسبتهم إلى الجهل، وتنقصهم ليرتفع بذلك عليهم وهذا من أقبح الخصال وأردئها، وربما نسب من كان قبله من العلماء إلى الجهل والغفلة والسهو، فيوجب له حب نفسه وحب ظهورها، وإحسان ظنه بها وإساءة ظنه بمن سلف، وأهل العلم النافع على ضد هذا يسيئون الظن بأنفسهم ويحسنون الظن بمن سلف من العلماء ويقرون بقلوبهم وأنفسهم بفضل من سلف عليهم وبعجزهم عن بلوغ مراتبهم والوصول إليها أو مقاربتها، ... وكان ابن المبارك إذا ذكر أخلاق من سلف ينشد:

لا تعرضن لذكرنا في ذكرهم ... ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد)) [12].

- ثم لماذا لا تفهم كلمة "هم رجال ونحن رجال" فهماً آخر سليماً يناسب حالنا وزماننا فيقال: "هم رجال" صَدَقوا في الطلب والعلم والعمل والدعوة وصَبَروا على ذلك فأصبحوا رجالا بكل معاني الرجولة، و"نحنُ رجالٌ" بمعنى: عندنا من المؤهلات والصفات ما يجعلنا نقتدي ونستفيد منهم، وأن نخدم الدينَ كما خدموه مع معرفتنا الأكيدة بالفرق الكبير بيننا وبينهم في العلم والعمل.

-وعوداً على بدء إذا قال "هم رجال ونحن رجال" من كان في منزلة أبي حنيفة في نظرائه من أهل العلم فحُقَّ له ذلك، لأنَّ قول بعضهم ليس حجةً على بعض، والله المستعان وعليه التكلان، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

د. علي بن عبد الله الصياح.

قسم الدراسات الإسلامية-كلية التربية- جامعة الملك سعود

E-Mail: [email protected]

المصدر ملتقى أهل الحديث


[1] الإحكام لابن حزم (4/ 573)، وانظر: المدخل للسنن الكبرى (ص111)، الانتقاء لابن عبد البر (144)، المبسوط للسرخسي (11/ 3)، المسودة (302)، سير أعلام النبلاء (6/ 401)، التقرير والتحبير (2/ 415)، وغالب من كتب في مناقب أبي حنيفة نقل هذا الكلام.
[2] الكاشف (2/ 322)، تهذيب التهذيب (10/ 401).
[3] مجموع الفتاوى (7/ 436).
[4] موضح أوهام الجمع والتفريق (1/ 12 - 13).
[5] سير أعلام النبلاء (6/ 407).
[6] الموافقات (1/ 97 - 99).
[7] تذكرة الحفاظ ج3/ص948
[8] إعلام الموقعين (4/ 118 - 119).
[9] مجموع الفتاوى (4/ 157 - 158).
[10] بيان فضل علم السلف على علم للخلف "ص61"
[11] المرجع السابق ص65
[12] بيان فضل علم السلف على علم للخلف "ص86 - 87"

ـ[عبد اللطيف سالم]ــــــــ[12 Nov 2003, 02:36 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:

أخي الحبيب: أبو أحمد لقد أظهرت قعر وعائك، وظهرت بضاعتك المزجاة.

هداك الله يا أخي

هل تحسب أن الله سيفتح عليك بتفكير ساعة ما لم يفتحه على من عاش دهره مفكرا إن رجالا في تاريخ أمتنا عاشوا حياتهم كلها مع العلم فجلسوا مع كل حديث ومع كل آية ومع كل كلمة في اللغة أكثر مما جلسناه مع كتاب كامل.

فحياتنا مقسمة بين العمل و الدراسة و حاجات الأهل وأجهزة الترفيه وأحهزة الإعلام.

ومع هذا فإنا لا نقول لك قولهم مقدم على قولك إذا أتيت بحجج تدل على أن قولك اقرب للمنهج الصحيح من أقوالهم.

ولكن من الحماقة أن نضرب بأقوالهم عرض الحائط وننتظر أقوالا فجة صاحبها لم ينضج ولم يطبخ عقل صاحبها في مرق العلم.

بارك الله بعلمكم ونفع المسلمين بكم
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير