ـ[عبد الله]ــــــــ[29 Nov 2003, 04:09 م]ـ
تقدم الكلام عن رواية ابن عمر وجابر رضي الله عنهم، أما رواية ابن عمر الأخرى الصريحة، والتي أخرجها النسائي، فإن رواية جابر تقدم عليها، لقوتها فهي من رواية البخاري، وقد رجح السيوطي رواية ابن مسعود في نزول آية} وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ {[الإسراء: 85] التي في الصحيحين – والتي تفيد نزولها بالمدينة، على رواية ابن عباس التي صححها الترمذي والتي تفيد أنها نزلت بمكة، وذلك لأن رواية ابن مسعود من رواية الصحيحين، ورواية ابن عباس من رواية الترمذي، ولأن ابن مسعود كان حاضراً نزول الآية.
ويبقى كلام اليهود في هذه القضية، هو المؤثر الأول في أذهان من جاورهم من العرب (أهل المدينة) بأن من أتى امرأته في قبلها من دبرها جاء الولد أحول، حتى أصبح معتقداً – أو قريباً من ذلك - وهذا كان سبب الإنكار من تلك الأنصارية التي تزوجها أحد المهاجرين، وراح يفعل بها ما اعتادوه من إتيان النساء في البيئة القرشية حتى شري أمرهما وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله الآية رداً على اليهود وإرشاداً للمؤمنين.
انظر أصل الرواية عند أبي داود في كتاب النكاح 2164.
أما تصرف الرواي في عبارة سبب النزول فيحصل، وتكمن المشكلة فيما لو استبدل الراوي مثلاً كلمة (تلا) بكلمة (نزل) أو (أنزل)، فيُدخل في أسباب النزول ما ليس منها. وعندئذ يحتاج الباحث إلى التنقيب عن الروايات الأخرى والتدقيق في صيغها.
عبد الله إبراهيم.
ـ[محمد الأمين]ــــــــ[29 Nov 2003, 06:40 م]ـ
أخرج ابن جرير الطبري وأبو داود (2\ 249) والطبراني (11\ 77) والحاكم (2\ 213) والبيهقي في سننه (7\ 195)، كلهم من طريق محمد بن إسحاق (مدلّس حسن الحديث) عن أبان بن صالح عن مجاهد عن ابن عباس قال: إن ابن عمر –والله يغفر له– أوهم إنما كان هذا الحي من الأنصار، وهم أهل وثن مع هذا الحي من اليهود، وهم أهل كتاب كانوا يرون لهم فضلا عليهم في العلم، فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم. فكان من أمر أهل الكتاب لا يأتون النساء إلا على حرف وذلك استر ما تكون المرأة. فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم. وكان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحاً (أي ينزعون عنهن الثياب) ويتلذذون منهن مقبلات مدبرات ومستلقيات. فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم (أي من المهاجرين، بعكس قصة ابن عمر) امرأة من الأنصار. فذهب يصنع بها ذلك، فأنكرته عليه. وقالت: إنما كنا نؤتى على حرف واحد فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني. فسرى أمرهما فبلغ رسول الله ?، فأنزل الله {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم}. يقول: مقبلات ومدبرات بعد أن يكون في الفرج، وإنما كانت من قبل دبرها في قبلها. زاد الطبراني قال ابن عباس: «قال ابن عمر: في دبرها. فأوهم ابن عمر، والله يغفر له. وإنما كان الحديث على هذا».
أقول: هذا إسنادٌ ضعيفٌ –ليس بالحسن– بسبب عنعنة محمد بن إسحاق. وما زعمه البيهقي من أن عبد الرحمن بن محمد المحاربي رواه عن ابن إسحاق بالتحديث فلا يصح. فإن المحاربي هذا مدلّسٌ وقد عنعن. وقد رواه الطبراني عنه بالعنعنة أيضاً عن ابن إسحاق وليس بالتحديث! أما المتن الذي أخرجه الحاكم (2\ 307) فليس فيه ذكر ابن عمر أصلاً. ولذلك ذكر البيهقي الإسناد ولم يذكر المتن، لأنه يعلم أنه حجة عليه وليس له.
وقد روى أبو يعلى وابن مردويه في تفسيره، وابن جرير الطبري (2\ 395) والطحاوي (3\ 40) من طرق، عن هشام بن سعد (حسن الحديث)، عن زيد بن أسلم (ثقة)، عن عطاء بن يسار (ثقة)، عن أبي سعيد الخدري: «أن رجلا أصاب امرأة في دبرها، فأنكر الناس ذلك عليه، وقالوا: أثفرها. فأنزل الله عز وجل {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم}». مع اختلاف يسيرٍ في اللفظ دون المعنى.
أقول: هذا حديث حسن من رواية هشام بن سعد، وهو أحسن حالاً من محمد بن إسحاق صاحب الحديث الذي وهّم به ابن عباس ابن عمر. ونحن لا نحتج أصلاً بالحديث الحسن ولا بالضعيف، فلا نقبل لا هذا ولا ذاك. ولكن من كان يقبل بالحديث الحسن فيلزمه الاحتجاج بهذا الحديث من بابٍ أولى من الحديث الأول، لأنه ليس فيه مدلّس كما حال الأول. قال ابن حجر: «وهذا السبب في نزول هذه الآية مشهور. وكأن حديث أبي سعيد لم يبلغ ابن عباس، وبلغه حديث ابن عمر فوهَّمّه فيه».
وهذا التوهيم يُشَكُّ في صدوره من ابن عباس. إذ هو يعلم أنه ليس من حقه النفي ما لم يعلم يقيناً بالواقعة، والأمر مشكوك فيه بالنسبة لابن عباس لصغر سنه. فقد مات رسول الله ? وابن عباس عمره ثلاث عشرة سنوات كما في الإصابة (4\ 141)، فكان عمره أصغر عند نزول الآية. وهذا عمرٌ لا يساعد على حضور الواقعة، فلا بد من وجود واسطة لشهود الحدث وهو لم يذكر تلك الواسطة. لكن معنى الآية في اللغة يشهد لابن عباس ?.