واختلف قول الشافعي في هذه المسألة , فمرة قال بقول مالك , واختاره المزني وقال: إذا لم يجز أن تصلى في يوم العيد بعد الزوال فاليوم الثاني أبعد من وقتها وأحرى ألا تصلى فيه , وعن الشافعي رواية أخرى أنها تصلى في اليوم الثاني ضحى , وقال البويطي: لا تصلى إلا أن يثبت في ذلك حديث.
قال أبو عمر: لو قضيت صلاة العيد بعد خروج وقتها لأشبهت الفرائض , وقد أجمعوا في سائر السنن أنها لا تقضى , فهذه مثلها.
وقال الثوري والأوزاعي وأحمد بن حنبل: يخرجون من الغد , وقال أبو يوسف في الإملاء , وقال الحسن بن صالح بن حي: لا يخرجون في الفطر ويخرجون في الأضحى. قال أبو يوسف: وأما في الأضحى فيصليها بهم في اليوم الثالث. قال أبو عمر: لأن الأضحى أيام عيد وهي صلاة عيد , وليس الفطر يوم عيد إلا يوم واحد , فإذا لم تصل فيه لم تقض في غيره ; لأنها ليست بفريضة فتقضى , وقال الليث بن سعد: يخرجون في الفطر والأضحى من الغد.
قلت: والقول بالخروج إن شاء الله أصح , للسنة الثابتة في ذلك , ولا يمتنع أن يستثني الشارع من السنن ما شاء فيأمر بقضائه بعد خروج وقته , وقد روى الترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لم يصل ركعتي الفجر فليصلهما بعد ما تطلع الشمس). صححه أبو محمد. قال الترمذي: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم , وبه يقول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وابن المبارك , وروي عن عمر أنه فعله.
قلت: وقد قال علماؤنا: من ضاق عليه الوقت وصلى الصبح وترك ركعتي الفجر فإنه يصليهما بعد طلوع الشمس إن شاء , وقيل: لا يصليهما حينئذ , ثم إذا قلنا: يصليهما فهل ما يفعله قضاء , أو ركعتان ينوب له ثوابهما عن ثواب ركعتي الفجر. قال الشيخ أبو بكر: وهذا الجاري على أصل المذهب , وذكر القضاء تجوز.
قلت: ولا يبعد أن يكون حكم صلاة الفطر في اليوم الثاني على هذا الأصل , لا سيما مع كونها مرة واحدة في السنة مع ما ثبت من السنة. روى النسائي قال: أخبرني عمرو بن علي قال حدثنا يحيى قال حدثنا شعبة قال حدثني أبو بشر عن أبي عمير بن أنس عن عمومة له: أن قوما رأوا الهلال فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأمرهم أن يفطروا بعد ما ارتفع النهار وأن يخرجوا إلى العيد من الغد. في رواية: ويخرجوا لمصلاهم من الغد.
المسألة الثامنة عشرة: قرأ أبو بكر عن عاصم وأبو عمرو - في بعض ما روي عنه - والحسن وقتادة والأعرج " ولتكمِّلوا العدة " بالتشديد. والباقون بالتخفيف , واختار الكسائي التخفيف , كقوله عز وجل: " اليوم أكملت لكم دينكم " [المائدة: 3]. قال النحاس: وهما لغتان بمعنى واحد , كما قال عز وجل: " فمهل الكافرين أمهلهم رويدا " [الطارق: 17].
ولا يجوز " ولتكملوا " بإسكان اللام , والفرق بين هذا وبين ما تقدم أن التقدير: ويريد لأن تكملوا , ولا يجوز حذف أن والكسرة , هذا قول البصريين , ونحوه قول كثير أبو صخر:
أريدُ لأنسى ذكرها
أي لأن أنسى , وهذه اللام هي الداخلة على المفعول , كالتي في قولك: ضربت لزيد , المعنى ويريد إكمال العدة , وقيل: هي متعلقة بفعل مضمر بعد , تقديره: ولأن تكملوا العدة رخص لكم هذه الرخصة , وهذا قول الكوفيين وحكاه النحاس عن الفراء. قال النحاس: وهذا قول حسن , ومثله: " وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين " [الأنعام: 75] أي وليكون من الموقنين فعلنا ذلك.
وقيل: الواو مقحمة , وقيل: يحتمل أن تكون هذه اللام لام الأمر والواو عاطفة جملة كلام على جملة كلام , وقال أبو إسحاق إبراهيم بن السري: هو محمول على المعنى , والتقدير: فعل الله ذلك ليسهل عليكم ولتكملوا العدة , قال: ومثله ما أنشده سيبويه:
بادت وغير آيهن مع البلى ... إلا رواكد جمرهن هباءُ
ومشجج أما سواء قذاله ... فبدا وغيب ساره المعزاءُ
شاده يشيده شيدا جصصه ; لأن معناه بادت إلا رواكد بها رواكد , فكأنه قال: وبها مشجج أو ثم مشجج.
المسألة التاسعة عشرة: وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ.
عطف عليه , ومعناه الحض على التكبير في آخر رمضان في قول جمهور أهل التأويل. واختلف الناس في حده:
- فقال الشافعي: روي عن سعيد ابن المسيب وعروة وأبي سلمة أنهم كانوا يكبرون ليلة الفطر ويحمدون , قال: وتشبه ليلة النحر بها.
¥