وعلى هذا فالقول الراجح الذي تؤيده الأدلة من السنة النبوية أن المراد بالقرآن العظيم في قوله تعالى: {وَلَقَدْ ءَاتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْءَانَ الْعَظِيمَ} هو الفاتحة.
وأمَّا ما ذكره ابن جرير بقوله: (وأمَّا قوله: {وَالْقُرْءَانَ الْعَظِيمَ} فإن القرآن العظيم معطوف على السبع بمعنى: ولقد آتيناك سبع آيات من القرآن وغير ذلك من سائر القرآن) (12) ا هـ. فهو وإن كان صحيحاً إلاَّ أنه معنى مرجوح؛ لأن تفسير النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن بالعظيم بأنه الفاتحة أولى، وهو بالرجحان أحرى.
وأمَّا ما ذكره ابن حجر في الفتح في شرحه لحديث أبي سعيد بن المعلى في فضل الفاتحة، وفيه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {الحمد لله رب العالمين، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته} (13) بعد أن ذكر قول الخطابي السابق ذكره فعقب عليه بقوله: (وفيه بحث لاحتمال أن يكون قوله: {والقرآن العظيم} محذوف الخبر، والتقدير ما بعد الفاتحة مثلاً، فيكون وصف الفاتحة انتهى بقوله: {هي السبع المثاني} ثُمَّ عطف قوله: {والقرآن العظيم} أي ما زاد على الفاتحة، وذكر ذلك رعاية لنظم الآية ويكون التقدير: والقرآن العظيم هو الذي أوتيته زيادة على الفاتحة) (14) ا هـ.
فهو قريب مِمَّا رجحه ابن عبدالبر، إلاَّ أنه فصّل فيه أكثر، وذكر أن في الكلام محذوفاً، وهذا مخالف للروايات الأخرى كما سبق بيانه، ولعل القول الحقيق بالتحقيق هو ما قاله الإمام ابن كثير - بعد ذكره حديث أبي هريرة الذي سبق ذكره وهو عند البخاري - بقوله: (وهذا نص في أن الفاتحة السبع المثاني والقرآن العظيم، ولكن لاينافي وصف غيرها من السبع الطوال بذلك لما فيها من هذه الصفة كما لاينافي وصف القرآن بكماله بذلك أيضاً كما قال تعالى: {ا؟ للَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ} [الزمر: 23] فهو مثاني من وجه ومتشابه من وجه، وهو القرآن العظيم أيضاً كما أنه عليه الصلاة والسلام لما سئل عن المسجد الذي أسس على التقوى فأشار إلى مسجده (15)، والآية نزلت في مسجد قباء، فلاتنافي فإن ذكر الشيء لاينفي ذكر ما عداه إذا اشتركا في تلك الصفة، والله أعلم) (16) ا هـ.
وقد ذكر ابن عبدالبر في شرحه السابق للحديث أن في معنى قوله تعالى: {سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي} قولين لأهل التفسير:
الأول: أن المراد بها الفاتحة.
الثاني: أن المراد بها السبعُ الطوَل: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال وبراءة.
ثُمَّ رجح القول الأول؛ لأنه أرفع ما روي في ذلك وهو يخرج في التفسير المسند لما ثبت عن النبي - عليه الصلاة والسلام - في ذلك.
وهو بترجيحه هذا يوافق أشهر وأكثر المفسرين في ترجيحهم لهذا القول، وهو القول الذي لاينبغي القول بخلافه؛ لأنه إذا ثبت الحديث وكان نصاً في تفسير الآية فلايُصار إلى غيره. وهذه قاعدة مهمة من قواعد الترجيح عند المفسرين (17).
ولهذا قال الإمام المالكي ابن العربي بعد أن ذكر الأقوال في معنى الآية: (المسألة الرابعة: في تحقيق هذا المسطور: يحتمل أن يكون السبع من السور، ويحتمل أن يكون من الآيات؛ لكن النبي صلى الله عليه وسلم قد كشف قناع الإشكال، وأوضح شُعاع البيان؛ ففي الصحيح عند كل فريق ومن كل طريق أنها أم الكتاب، والقرآن العظيم - حسبما تقدّم من قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب: {هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيت} وبعد هذا فالسبع المثاني كثير، والكل محتمل، والنص قاطع بالمراد، قاطع بمن أراد التكليف والعناد، وبعد تفسير النبي صلى الله عليه وسلم فلا تفسير، وليس للمعترض إلى غيره إلى النكير) (18) ا هـ.
وقد قرّر ذلك أيضاً الشيخ الشنقيطي - رحمه الله - في أضواء البيان، وقال بعد كلام له في هذا الشأن: (وبه تعلم أن قول من قال: إنها السبع الطوال غير صحيح، إذ لا كلام لأحد معه صلى الله عليه وسلم. ومِمَّا يدل على عدم صحة ذلك القول: أن آية الحجر هذه مكية، وأن السبع الطوال ما أنزلت إلاَّ بالمدينة، والعلم عند الله تعالى) (19) ا هـ.
الحواشي والتعليقات
¥