[وصيغة فاعل تحتمل في دلالتها على الحدث: القلة والكثرة، فإذا أريد الدلالة على كثرة الحدث (كماً أو كيفًا) حُوّلت –فاعل- إلى إحدى صيغ المبالغة].
ومعنى هذا أنه [عند صياغتنا اسم الفاعل فإننا نقصد شيئين:
المعنى المجرد وصاحبه، دون اهتمام ببيان درجة المعنى قوة أو ضعفاً وكثرة أو قلة.
وأما عند استخدامنا (صيغة المبالغة) فإننا نقصد إلى الأمرين معاً مزيداً عليهما بيان الدرجة كثرةً وقوةً.
[ودلالة اسم الفاعل العارضة قد تكون في حق غير الله تعالى لصحة قيام الأفراد لنفس الحدث لكن في حق الله تعالى فإن دلالة الدوام ثابتة فقولنا (غافر) مثلاً .... الغفران لا يكون إلا من الله ولذلك لا يقال: غافر الذنب إلا لله تعالى.
أما غيره فيجوز أن يقال له: غافر ذنب فلان، أو غافر الذنب الفلاني، فيتخصص الذنب بصفته أو بصاحبه.
أما إطلاق الذنب وتعريفه بـ (ال) فيشير إلى عمومه، فـ (ال) في [الذنب] للجنس وليس للعهد فالله تعالى غافر لجنس الذنوب ولذلك قال:
(إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر53)] أو أنه غافر للذنوب في جميع الأزمنة [واسم الفاعل إذا أريد به زمان مستمر كانت إضافته لفظية، والزمان المستمر يشمل الماضي والحاضر والمستقبل ...
وإذا كان للثبوت كان غير عامل وكانت إضافته حقيقية]
أما صيغة (فعال) و (فعول).
فهما من صيغ المبالغة لاسم الفاعل وهذا يعني أن أصلهما اسم الفاعل لكن بولغ فيه.
والمبالغة [أن يذكر المتكلم وصفاً فيزيد فيه حتى يكون أبلغ في المعنى الذي قصده وهي ضربان:
- مبالغة بالوصف بأن يخرج إلى حد الاستحالة ومنه: (يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ) (النور:35)
- ومبالغة بالصيغة: وصيغة المبالغة هي [فعلان كالرحمن - وفعيل كالرحيم – وفعال كالقهار – وفعول كغفور ... وفَعِل كحذر].
[وصيغ المبالغة تشتق من الفعل الثلاثي المتعدى فقط لتدل على معنى اسم الفاعل مع المبالغة في المعنى وتأكيده وتقويته.
ومعنى المبالغة: تكرير أصل الفعل وتوكيده]
وكلام العلماء يفيد أن صيغة (فاعل) لا مبالغة فيها حتى إذا أردنا المبالغة تُحول صيغة فاعل إلى فعال أو فعول أو مفعال ....... الخ
وهذا يثير سؤالاً، وهو: هل المعنى في (فاعل) أقل من المعنى في (فعول) أو (فعال)؟
لقد قال العلماء [إن (فعال) أبلغ من (فاعل) وقالوا إن (ضروب) ناب عن قولك: (ضارب وضارب وضارب)]
ولقد [سأل الصاحب بن عباد القاضي عبد الجبار المعتزلي عن قوله تعالى: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) (الإنسان:3)
كيف غاير بين الصفتين وجعل المبالغة من جانب الغفران؟
فأجاب أن نِعَم الله تعالى على عباده كثيرة وكل شكرٍ يأتي في مقابلها قليل، وكل كفر يأتي في مقابلتها عظيم، فجاء (شكور) بلفظ (فاعل) وجاء (كفور) بلفظ (فعول) على درجة المبالغة .. فتهلل وجه الصاحب)
كما أن البيهقي في كتابه الأسماء والصفات: وهو يشرح معاني هذه الأسماء يقول:
(غافر: الذي يستر على المذنب، ولا يؤاخذه به، فيُشهره ويفضحه.
والغفار: هو المبالغ في الستر فلا يشهر الذنب في الدنيا، ولا في الآخرة.
والغفور: هو الذي يكثر منه الستر على المذنبين من عباده ويزيد عفوه على مؤاخذته)
كل ذلك قالوه، لكن الذي أميل إليه أن المبالغة وعدمها إنما تكون عند استعمال هذه الصيغ في حق الإنسان، فيقال صابر وصبور، وآكل وأكول، وأكال، فالمبالغة وزيادة المعني في (فعول وفعال) مفهومه، لكن عند استعمال هذه الصيغ في حق الله تعالي، فالأمر يختلف ولذلك قال الزركشي: إن المبالغة هنا إنما هي [بالنسبة إلى تكثير التعلق، لا بالنسبة إلى تكثير الوصف، فاسمه (الغفار) مثلاً يعني (الذي يغفر ذنوب عباده مرة بعد أخرى وكلما تكررت ذنوبهم تكررت مغفرته غفراً)] ......
وقد سئل أبو على الفارس:
هل تدخل المبالغة في صفات الله تعالي؟
فأجاب بالمنع، لأن الله تعالي ذم من نسب إليه الإناث، لما فيه من النقص فلا يجوز إطلاق اللفظ المشعر بذلك.)
وعلى هذا فإن صفات الله تعالي التي جاءت على صيغة المبالغة، والتي جاءت علي غيرها سواء في الدلالة على ذاته سبحانه واتصافه بها.
¥