فهو سبحانه (غافر الذنب) فإذا نظرنا إلى عدد الذنوب المغفورة أو إلى عدد من غفر لهم من الخلق قلنا: إنه (غفار) وإذا نظرنا إلى عظم الذنوب وأحجامها قلنا: إنه (غفور) 0
زد على ذلك أن القول بأن فيها مبالغة يجعلها شبيهة بصفات البشر، فالفروق في الصيغ يلحظ فيها المبالغة بالنسبة للناس، وفرق بين صفات البشر، وصفات رب البشر
(ومن الإيمان بالاسم: الإيمان بما دل عليه من معني: فلكل اسم معنى يخصه غير الاسم الآخر، وكلها اتفقت في دلالتها على الذات.
كما أن من الإيمان بالاسم .. الإيمان بأن الله سبحانه وتعالي منزه عن مماثلة المخلوقين .. لقوله تعالي (ليس كمثله شيء)
وهنا يثار سؤال وهو: إذا كان (فعول وفعال) موضوعين للمبالغة فما وجه تكرارهما؟
يقول الزجاج: [وإنما جاز تكرارها، وإن كانا بمعني واحد وأنت لا تكاد تقول في الكلام: فلان تروك للفواحش، تراك لها، وصروف عن القبائح صراف عنها إلا لمعنيين:
أحدهما: أن اختلاف الموضوعين يحسن من ذاك ما لا يحسن مع المجاورة، ألا تراهم أجمعوا على أن الإيطاء مع بعد الموضع، ليس هو مثله مع قرب الموضع0
والوجه الآخر: أن هذا يحسن في صفات الله تعالي وإن كان لا يحسن في أسامي المخلوقين وصفاتهم، لأنهم لم يبلغوا قط في صفة من الصفات المنتهي، والله تعالي المتناهي في هذه الصفات التي تمدح بها، فيحسن فيه من ذلك ما لا يحسن في غيره]
فالفروق بين الصيغ إذاً إنما هي من حيث تعلقها بالمذنبين وبالذنوب، وليست من حيث تعلقها بالله تعالي، وفرق بين الأمرين كبير.
هل صفات الله – تعالي – قائمة على المجاز؟
(قيل إن صفات الله التي جاءت على صيغة المبالغة كلها مجاز، لأنها موضوعة للمبالغة، ولا مبالغة فيها، لأن المبالغة، أن تثبت للشيء أكثر مما هو له، والمعلوم أن صفاته سبحانه متناهية في الكمال ولا يمكن المبالغة فيها.
كما أن المبالغة تكون في صفات تقبل الزيادة والنقصان، وصفات الله تعالي منزهة عن ذلك.
والتحقيق أن صيغ المبالغة قسمان:
أحدهما: ما تحصل المبالغة فيه بحسب زيادة الفعل.
والثاني: بحسب تعدد المفعولات.
ولا شك أن تعددها لا يوجب للفعل زياد، إذ الفعل الواحد قد يقع على جماعة متعددين.
وعلى هذا القسم تنزل صفاته تعالي ويرتفع الإشكال.
فالمبالغة مصروفة إلى مجموع الأفراد التي دل السياق عليها فهي بالنسبة إلى كثرة المتعلق لا الوصف.)
أضف إلى ذلك أن المجاز قائم على الادعاء وأسماء الله تعالي قائمة على الحقيقة.
ومن كل ما سبق فإني أرى أن أسماء الله تعالي وإن كانت قد جاءت على صيغ تعارف عليها أهل اللغة أنها للمبالغة مثل: (فعال وفعول) إلا أن أسماء الله تعالي وصفاته لا مبالغة فيها.
ويبقي السؤال، وهو: ما حكمة وضعها على هذه الصيغ؟.
ولعل السبب في ذلك أن العرب – وقد نزل القرآن بلغتهم – لما ترسخ في عقولهم أن هذه الصيغ بلغت المنتهي في الدلالة، وأريد ترسيخ معنى أن صفات الله تعالي بالغة هذا الحد، وضعت هذه الصفات على تلك الصيغ لترتسم في قلوب المسلمين مدى ما وصلت إليه هذا الصفات، وأنها لا زياد عليها.
الأسماء الثلاثة بين التعريف والتنكير:
وردت هذه الكلمات في القرآن الكريم مرة دون [أل]، ومرة فيها [أل] فقيل (إن الله غفور رحيم) (وكان الله غفوراً رحيماً) و (نزلاً من غفور رحيم) كما قيل: (إنه هو الغفور الرحيم) و (وهو العزيز الغفار).
لكن الشائع، والأغلب في هذا الاسم وروده دون (أل) حيث ورد معرفاً أربع عشرة مرة من بين إحدى وتسعين مرة ورد فيها الاسم الكريم.
وهذا يفيد أن المقصود الأعظم من ذكر هذا الاسم في القرآن الكريم النفوذ إلى الصفة .. أعني: إلى المغفرة، وجذب القلوب إليها أولاً، ذلك لأن [لام التعريف تدخل الأعلام للمدح والتعظيم]
وقيل [إن اللام في الأسماء: تفخيم الجرس، وفي المعني: توفير المسمي وتعظيمه]
ولما كان التعظيم والتفخيم والتوقير مستفاداً من أسماء أخر، كان الأصل في اسمه [الغفور والغفار] إبراز الصفة.
[وقد صح أن ما جاء من الأعلام وفيه لام التعريف إنما ذلك لما فيه من معنى الفعل والوصفية.]
¥