تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وإذا تذكرنا أن الفاصلة غالباً ما تحوى اسمين من أسمائه الحسنى علمنا أن هناك ضرباً من الإيقاع الذي يقوم تارة على التقابل كما هو الحال بين (العزيز والغفار)، أو يقوم على التوازي كما بين (الغفور والرحيم) أو يقوم على التتابع كما بين (الغفور والشكور).

وهكذا تزداد الفاصلة بهاءً بأسمائه الحسنى ويزداد المعني في الآيات توكيداً بهذه الفواصل.

تبيان مجئ الأسماء الثلاثة بين

الاعتناق والتفرد

لا خلاف على أن دلالة الكلمة، ومعناها ومضامينها تزداد نمواً، من خلال التركيب وأن الكلمة – وهي منفردة – لها دلالة المادة والصيغة فقط، فإذا أُخذت هذه الكلمة ووضعت في أسرة تركيبية، رأيت المعني وقد اكتسب ظلالاً دلالية أخرى.

هذا يعني أن الكلمة لا تعطي معناها من ذاتها فقط، بل هناك روافد تضيف إليها وتصبغها بعالمها، ومن هذه الروافد – بعد المادة والصيغة: مكان الكلمة في الجملة، وموقعها من الإعراب، ثم قرينها وأليفها.

نعم ... فالكلمة كالإنسان، بل إن الكلمة إنسان، يأنس بغيره ولا يحيا إلا في مجتمع وأسرة،وكما أن للإنسان صديق حياة، ورفيق وجود، فإن هناك كلمات لا تكاد ترى إلا في صحبة قرين لها، وقليلاً ما تجدها إلا وهي في صحبة أليفها، تلكم هي أسماء الله الحسنى.

فلا يكاد القارئ يقرأ كتاب الله، فتقع عينه على اسمه سبحانه (الغفور) إلا وتقع في ذات الوقت على اسم آخر مثل (الرحيم) وكذلك لا يكاد يأتي اسم (العزيز) إلا في صحبة اسمه (الحكيم) أو اسم آخر تقتضيه دلالات السياق والمقام.

لذلك كان وجود أحد هذه الأسماء دون قرين له من أخوته أمراً يدعو إلى التوقف، وبيان وجه المجئ منفرداً عن أليفه، وبعيداً عن قرينه.

والأسماء الثلاثة (غافر – غفار – غفور) لم تأت منفردة إلا في ثلاث آيات:

الأولي: في سورة الإسراء في قوله الله تعالي (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُوراً) (الاسراء:25)

الثانية: في سورة طه، في قوله تعالي (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) (آية:82)

والثالثة في سورة نوح، في قوله تعالي (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً) آية 10.

وعودة إلى سياق كل موضع يتبين الآتي:

في سورة الإسراء كان السياق في شأن بر الوالدين والإبلاغ في النهي عن العقوق فبدأ ذلك بقوله (لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً) أية 22.

ليكون مرتكزاً لما سيأتي بعد ذلك، وأن العقوق للوالدين فرع من الشرك فجاءت الجمل حاملة صيغ النهي المتتابعة، المشعرة بالغضب على كل من خالف، فقالت في البداية () وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) (الإسراء:23) لتربط بين القضيتين لأنهما من مشكاة واحدة ثم قيل:

لا تقل لهما أف

لا تنهرهما.

قل لهما قولاً كريماً.

أخفض لهما جناح الذل ...

قل رب احمهما ...

ربكم أعلم بما نفوسكم!!

وهذه الدفقات الإنذارية المتتابعة تضفي على الجو العام شعوراً بالرهبة لكل من خالف أمراً أو نهياً في هذه الرسائل المتلاحقة.

ثم قيل تعقيباً (إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً) (الإسراء:25)

أي [ثم فرطت منكم في حال الغضب وعند حرج الصدر، وما لا يخلو منه البشر أو لحميّة الإسلام – هنة تؤدي إلى أذاهما، ثم أنبتم إلى الله واستغفرتم منها فإن الله غفور] كذا فقط 0

فالذنب مغفور فقط، وأين الرحمة؟

إن علمها عند ربي، فالسياق حجزها هنا وأتي باسمه (الغفور) فقط ليضيف إلى التهديد تهديداً آخر.

ويلحظ أيضاً أن هذه المغفرة ليست لمن تاب وأناب، بل للأوابين المداومين على التوبة والاستغفار، وما رأيت ذنباً كهذا في دين الله!!.


أما الموضع الثاني والذي جاء في سورة طه وفيه قوله تعالي (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) آية 82.
فقد جاء في معرض عد النعم لبني إسرائيل التي أنعم الله بها عليهم في الدنيا وهي
1 - قد أنجيناكم من عدوكم.
2 - واعدناكم جانب الطور الأيمن.
3 - نزلنا عليكم المن والسلوى.
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير