تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

4 - إني لغفار – أي أستر على العاصي في الدنيا ولا أفضحه.

وليس من النعم التي أنعم الله بها عليهم في الدنيا ما يشير إلى الرحمة أو العفو أو نحو ذلك لأن هذه أمور متعلقة بالآخرة، أما ستر المذنب وعدم فضحه بين الناس فهي نعمة من الله تشبه النجاة من فرعون وإنزال المن والسلوى.

لذلك اقتصر هنا المجيء على اسمه (الغفار) دون أن يُلحق به اسم آخر من الأسماء الحسنى.


أما الموضع الثالث وهو موضع سورة نوح فيقول الله تعالي فيه:
(فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً) آية 10.
و السياق هنا سياق ترغيب بالماديات، وبنعم الدنيا أولاً، وكأنهم كانوا يجنحون إلى الإيمان المادي الملموس، المشاهد، فجاءت دعوة نوح عليه السلام لتذكرهم بهذه النعم المادية، وفيها: ستر الله عليهم وعدم فضحهم وكشف عيوبهم، ثم إرسال الغيث، وزيادة الأموال والبنين وإنبات الأرض جناناً، وشق الأنهار وخلق السماوات طباقاً، وجعل القمر نوراً، وجعل الشمس سراجاً .. إلى آخر ذلك من نعم ملموسة، ولذلك كانت الدعوة إليها بقوله (ألم تروا)؟
فلما كان الأمر كذلك حسن الاقتصار علي الغفران في قوله (إنه كان غفاراً) وكأن إيمانهم بالمغفرة بداية للإيمان بالرحمة والعفو وغير ذلك، فلما كانوا معاندين اقتصر على تذكيرهم بأنه (غفار)،لتعلق المغفرة غالباً بسترهم في الدنيا من الفضيحة
وهكذا يلحظ أن مجيء اسم الله تعالي (الغفور) أو (الغفار) منفرداً عن قرين له ما يبرر من السياق والقرائن، فليس الأمر حشواً للأسماء داخل الآيات ولكن لكل شيء مقدار، فكل شيء عنده بمقدار.

مدخل:
لم يرد اسم الله تعالي (غافر) منفرداً دون إضافة في القرآن الكريم، كما ورد اسمه (الغفور) , و (الغفار).
وإنما جاء في السنة في إحصاء ابن حجر، والبيهقي وابن الوزير والاصبهاني وابن منده لحديث [إن لله تعسة وتسعين اسماً ... ]
كما أن اسمه (غافر) لم يرد إلا في آية واحدة في سورة غافر وذلك قوله سبحانه (حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير) من 1 - 3.
إعراب (غافر الذنب) في الآية:
يقول أبو حيان – رحمه الله – في البحر المحيط [(تنزيل) مبتدأ و (من الله) خبر أو خبر ابتداء أي (هذا تنزيل) ... وتلخص من هذا الكلام أن (غافر الذنب) وما عطف عليه، و (شديد العقاب) أوصاف؛ لأن المعطوف على الوصف وصف، والجميع معا رف على ما تقرر .. ، أو أبدال لأن المعطوف على البدل بدل لتنكير الجميع، أو (غافر) و (قابل) وصفان و (شديد) بدل لمعرفة ذينك وتنكير (شديد)]
ويري ابن عاشور –رحمه الله –أن هذه كلها أوصاف لاسم الله فيقول: (أجريت علي اسم الله ستة نعوت معارف بعضها بحرف التعريف وبعضها بالإضافة إلي معرف بالحرف 000والمراد بـ[غافر وقابل] أنه موصوف بمدلوليهما فيما مضي إذ ليس المراد أنه سيغفر وسيقبل، فاسم الفاعل فيهما مقطوع عن مشابهة الفعل وهو غير عامل عمل الفعل، فلذلك يكتسب التعريف بالإضافة التي تزيد تقريبه من الأسماء، وهو المحمل الذي لا يناسب غيرها هنا.]
وعلى هذا فقوله (غافر الذنب) اسم مثلها مثل (العزيز) و (العليم) وهي مثلها صفه لاسمه الجليل (الله) الوارد في أول الآية (تنزيل الكتاب من الله).

أثر السياق والمقام في فهم المراد:
أول ما يلفت النظر في اسمه (غافر الذنب) أنه لم يذكر إلا مرة واحدة في القرآن الكريم، وجاء في سورة عنوانها هو هذا الاسم (سورة غافر) وجاء في أول الآية والأكثرية الكاثره في أسماء الله تأتي في الفاصلة، وجاء مضافاً إلى الذنب ولم يفرد بالذكر مثل (غفور وغفار).
وتلك أمور تجعل من هذا الاسم نمطاً خاصاً يغاير الاسمين الآخرين.
ومع أن الاسم يدل على المغفرة إلا أنه ورد في سورة يخيم عليها [جو المعركة بين الحق والباطل ....
ومما يتفق مع هذه السمة افتتاح السورة بإيقاعات ذات رنين خاص:
غافر الذنب .. قابل التوب .. شديد العقاب .. ذي الطول ... لا إله إلا هو ... إليه المصير ..
فكأنما هي مطارق منتظمة ثابتة الوقع مستقرة المقاطع، ومعانيها كذلك مساندة لإيقاعها الموسيقي ..
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير