تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولا شك أن قضية البعث أول ما تستدعي في النفوس، تستدعي الرحمة، فقدم اسمه (الرحيم) لمناسبة هذا المقام، كما أن الآية في كافة أصناف الخلق، وفي هذا يقول الزركشي رحمه الله: [تأخرت المغفرة في قوله (وهو الرحيم الغفور) لأنها منتظمة في سلك تعداد أصناف الخلق من المكلفين وغيرهم، وهو قوله: (يعلم ما يلج في الأرض ....... إلى آخره. فالرحمة شملتهم جميعاً، والمغفرة تخص بعضاً والعموم قبل الخصوص بالرتبة]

ثانياً: اعتناق الغفور والحليم

واسمه (الحليم) مأخوذ من الحلم و [والحاء واللام والميم أصول ثلاثة:

الأول: ترك العجلة، والثاني: تثقب الشيء، والثالث: رؤية الشيء في المنام،

وهي متباينة جداً تدل على أن بعض اللغة ليس قياساً وإن كان أكثره منقاساً فالأول: الحلم، خلاف الطيش، يقال: حلمت عنه أحلُم فأنا حليم.

والأصل الثاني: قولهم حَلُم الأديمُ إذا تثقب وفسد، وذلك أن يقع فيه دواب تفسده.

والثالث:قد حلم في نومه حُلْماً وحُلُماً .. ]

وقيل: [الحليم: هو الذي لا يعاجل بالعقوبة، فكل من لا يعاجل بالعقوبة يسمى فيما بيننا حليماً.]

وقيل: [وهو الصبور ... الذي لا يستخفه عصيان العصاة ولا يستفزه الغضب عليهم، ولكنه جعل لكل شيء مقداراً فهو منته إليه.]

[فالحلم: ضبط النفس والطبع عن هيجان الغضب وجمعه: أحلام]

وقد اقترن اسمه (الغفور) باسمه (الحليم) سبع مرات وذلك في [البقرة 225– 235] [آل عمران 155] [والمائدة 101] [والإسراء 44] [وفاطر 41] ووجه اصطفاء اسم (الحليم) فيها يتنوع من سياق إلى سياق.

فتارة يكون السياق في شأن ذنب هو في حقيقته تقصير في الأدب مع الله –تعالى- فيناسب ذلك وصفه بالحليم الذي لا يعاجل بالعقوبة.

وتارة يكون السياق توجيهاً للناس أن يتصفوا بالحلم ولا يتعجلوا، وهنا يكون اسمه الحليم تذكيرا بهذه الصفة، وتارة يكون السياق تهديداً؛ حتى لا يعودوا إلى الذنب، وكأنه يقول (لقد حلمت عليكم فاحذروا، وهكذا ... وإليك هذه الآيات ...

قال تعالي (لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) (البقرة:225)

.فسترُ الذنبِ هنا سترُ حليم، ذلك لعلمه أن العبد حين حلف إنما دفعه إلى ذلك ما جُبل عليه من عجلة، (وخلق الإنسان عجولا) , ولو أنه عومل على شاكلته لعجلت له العقوبة وكأن هناك دعوة إلى التحلم عند الحلف، ... دعوة إلى النظر في عاقبة اليمين، فغفر للإنسان ذنبه في الحلف لعله يفئ، ولأن الله لا يعجل بعجلة أحدنا كما قال رسول الله e

ولذلك يقول ابن عاشور – رحمه الله – [ومناسبة اقتران وصف (الغفور) بـ (الحليم) هنا دون الرحيم لأن هذه مغفرة لذنب هو من قبيل التقصير في الأدب مع الله تعالي، فلذلك وصف الله نفسه بـ (الحليم) لأن الحليم: هو الذي لا يستفزه التقصير في جانبه، ولا يغضب للغفلة، ويقبل المعذرة.] ويقول البقاعي – رحمه الله [ولما كان السياق للمؤاخذة التي هي معاجلة كل من المتناظرين لصاحبة بالأخذ كان الحلم أنسب الأشياء، لذلك قال: (حليم) أي: لا يعاجلهم بالأخذ ... فهو رفع للمؤاخذة عن مستحقها بجناية في حق مستعظم]

والذي يهمني في كل ذلك دلالة اسمه (الغفور) فالأمر هنا ليس متعلقاً بالآخرة ولكنه ما زال في الدنيا، والسياق في شأن التربية وتوجيه النفوس المؤمنة إلى ترك الحلف جملة، إلا لحاجة، ولما كان الأمر كذلك جئ باسمه (الحليم) وكأن (الغفور) هنا تعنى الدعوة إلى عدم العودة فالستر هنا ستر تربية وتأديب وتعليم وتهذيب، ولذلك سبق في السياق قوله (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) (البقرة:225)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير