تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وينتقل الدرس التعليمي إلى جو آخر وسياق آخر تحتاج النفوس فيه إلى تهذيب وذلك في قوله سبحانه: (وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) (البقرة:235)

والسياق كما لا يخفي في شأن التعريض بالخطبة لمن توفى زوجها، وما زالت في عدتها منه .... ، ورغبة النفوس وميل القلوب من الصعب دفعه ولذلك قيل (وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) (البقرة:235) أي (نكاحاً)

وهذا الجو الذي تملؤه مشاعر متناقضة ورغبات والتزامات تفرضها شريعة غراء، هذا الجو الذي تفلِتُ فيه-دون قصد- مخالفة أو تند عنه-دون عمد- هفوة، أو يرتكب فيه-بغير إرادة- خطأ، كان التعقيب عليه (إن الله غفور حليم).

فالمغفرة هنا متعلقة بأمور يشق على النفوس ضبطها ضبطاً كاملاً، يقول ابن عاشور [لعل المراد من المغفرة هنا التجاوز، لا مغفرة الذنب .. ] لأن الذنب مقصود،ولقد رفع عن أمة محمد e [ الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه].

وعليه يأتي اقتران العفو بالحليم اقتران تهذيب وتربية في أمور ترتبط بما قد يستحي منه، كما يلمح في التذييل باسمه (الحليم) أيضاً أن المغفرة هنا دعوة إلى عدم التعجل ومحاولة ضبط النفس ولذلك قيل (واعلموا) أي: تعلموا وتخلقوا بهذا الخلق.


وينتقل التعليم والتربية بصفة الحلم إلى جو آخر، تتعجل فيه النفوس أيضاً خوفاً من الموت، فجاء الدرس:
قال تعالي (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) (آل عمران:155)
فالقوم أشيع فيهم أن رسول الله e قد قتل، فحملهم الشيطان على ترك المعركة ثم عادوا وجاهدوا فكانت المغفرة لعودتهم، لكنها مغفرة حليم لم يعجل عليهم بذنبهم، وليست المغفرة هنا إلا الصفح والعفو، وهذا يؤكد أن دلالة (الغفور) لا تعنى ستر الذنب من كل موضع، بل قد تتجاوز إلى الصفح عنه والتجاوز وعدم المؤاخذة.
وهو معنى ملتصق بالستر، فالستر كما سبق بداية المحو وأول العفو، ولقد ورد قبل ذلك في أحاديث نبوية ومنها: [ثلاث من كن فيه ستر الله عليه وأدخله جنته]
ومنها: [حديث أبي موسى رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما ستر الله على عبد ذنباً في الدنيا فعيّره به يوم القيامة]
ومن هنا كانت دلالة (الغفور) تعنى عدم العقاب، وليس عدم التعجيل بالعقاب وعلى ذلك (فالحليم) هنا توكيد للعفو وتعليم للنفس المؤمنة ألا تعجل ولذلك سبق في الآية قوله (ولقد عفا الله عنهم) وكأن هذه الجملة توجه المعني في (غفور) إلى دلالة العفو وليس إلى دلالة الستر ولا شك أن العفو أعلى منزلة من الستر، ولذلك لم يُعَاقَب هؤلاء من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد المعركة؛ لعفو الله عنهم.

التقديم والتأخير بين الاسمين
تناوب اسمه (الغفور) واسمه (الحليم) بين التقديم والتأخير، وقد سبق في تحليل الآيات التي قُدم فيها اسمه (الغفور) أن المراد من هذا الاسم إما ستر الذنب حلماً ليكون ذلك درساً يتعلم منه المؤمنون فلا يعودوا إلى مثل ما فعلوه،وقد يكون المراد من اسمه (الغفور) العفو والصفح فلا مؤاخذة على ما فعلوه وكل ذلك قدم فيه اسمه (الغفور) لا لشيء إلا لأن الذنب هو شاغلهم فقيل بداية: إنه
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير