تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والمواضع الخمسة تقدم فيها اسمه (العزيز) وتأخر اسمه (الغفور) أو (الغفار) ذلك لأن السياقات كلها في شأن بيان القوة، والقهر، والسلطان، والملك، وتلك بعض الأدلة.

في فاطر مثلاً نستشعر ذلك من أول السورة (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (فاطر:2)

(مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً) (فاطر:10)

(ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ) (فاطر:13)

(أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (فاطر:15)

(إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ، وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ) (فاطر:16،17)

وهكذا تمتلئ السورة بشواهد القوة والغلبة.

فإذا انتقلنا إلى سورة (ص) نجد أنها تفتتح بهذا الافتتاح (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ، كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ) (صّ:1 - 3)

ثم تبدأ السورة في بيان وجه العزة ومظاهرها فتقول

(أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ، أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ) (صّ:9، 10)

إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب ..

حتى إبليس حين أقسم قال (فبعزتك)

وهكذا في سورة الزمر وغافر والملك والتي تبدأ بقوله (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الملك:1)

إن سياق القوة والغلبة والقهر تسيطر على السور ولذلك ذُكِر (العزيز) وقدم في الذكر على

(الغفور)

لكن يبقى أن الجمع بين (العزيز) و (الغفور) جمعٌ بين صفة جلال وصفة جمال وما ذلك إلا لأن السور كما أنها في شأن العزة إلا أنها بنيت على هذا التقابل بين أمرين كل منهما في الغالب مضاد للآخر.

ففي فاطر مثلاً يلحظ هذا التقابل:

فهو سبحانه فاطر

السماوات الأرض

ما يفتح ... فلا ممسك له وما يمسك فلا مرسل له

الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة

وما يستوي البحران ... .

هذا عذب فرات وهذا املح أجاج

يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل

أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني

الأعمى والبصير

ولا الظلمات ولا النور

ولا الظل ولا الحرور

وما يستوي

الأحياء ولا الأموات

إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور

وفي صورة (ص) يقول السياق أيضاً:

أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض

أم نجعل المتقين كالفجار

وبناء العبارة في السورة قائم على ثنائية ظاهرة من مثل (عزة، وشقاق)(ساحر، كذاب)(يسبحن بالعشي، والإشراق)(خر راكعاً، وأناب)(زلفى،وحسن مآب ... )

وغير ذلك كثير في السورة.

ومن هنا كان الجمع بين (العزيز) و (الغفار أو الغفور)

ولا يخفي أن وجه اصطفاء صيغة فعال في السور الثلاث (ص – الزمر – غافر) هو أن السياق في شأن تعدد المغفور لهم أو تعدد العمل الصالح، فالسياق في (ص) مثلاً يذكرنا بـ (الذين آمنوا – ثم داود – وسليمان – أيوب – وإبراهيم وإسحاق ويعقوب) وفي كل ذلك يقول (واذكر، واذكر، واذكر) فهذا تعدد للمغفور لهم.

لكن في الزمر يذكرنا السياق بتعدد أعمال هؤلاء فيقول (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الأخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ... ) (الزمر: من الآية9) فهذا تعدد في العمل.

فـ (الغفار) أي الذين تتتابع منه المغفرة وتكثر، إما بحسب المغفور لهم،أو بحسب المغفرة لواحد مرة بعد مرة.

أما سورة (فاطر والملك) فإن صيغة (فعول) تشير إلى عظم المغفرة لأنها في غافر (للعلماء) الذين يخشون الله تعالى، وفي الملك لمن أحسن العمل ولا ذكر هنا لتكراره أو تنوعه، بل إحسانه.

وعلى كل فالحديث في السياقات كلها عن (العزيز) والمغفرة فيها مغفرة عزيز، فليس المقام في الصور الخمس مقام ذنب ومغفرة ولكنه مقام اقتدار وقهر؛ فأحيطت العزة بالمغفرة حتى لا تنعكس على الخلق بالعذاب.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير