تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

مما يعني أن سورة النساء حازت ثلاث مواضع من ستة في ورود اسمه العفو وهذا يؤكد حاجة المرأة إلى صفتي (العفو) و (المغفرة).

ولا يخفي أيضاً في تقديم (العفو) هنا ما يعتبره العلماء من رعاية للفاصلة، وهذا وإن كان ليس أصلاً لكنه ملحظ لا يمكن إغفاله، وإذا ضممت هذا إلى تشابه الكلمتين في الحروف من حيث وجود العين والغين وهما حرفان متتابعان في النطق وفي المخرج فالعين في أقصى الحلق والغين من أعلاه، ثم تأتي الفاء في كل من الكلمتين في الوسط، ثم تأتي الواو في كل من الكلمتين.

هذا التقارب الشديد كأنه يهدف إلى تكرار نغمة واحدة،لتستوعبها الآذان حق الاستيعاب وتأخذ حقها في قرار العقل، فإذا أضيف إلى كل ذلك هذا القرب في المعنى بين العفو والغفور، إذ كل منها يعني التجاوز والصفح وجدت المعنى يقترب من دلالة أخرى أو يفتح باباً آخر من الدلالة إنه باب التوكيد فكأنك قلت في آخر كل آية:

إن الله غفور غفور ..

أو قلت

إن الله عفو عفو

فلا تخرج من الآية حتى يعاد عليك المعنى وشبيهة أو إن شئت قلت يكرر لك المعنى بالنغم، ليلخص لك المراد من المسامحة والصفح.

خامساً: اعتناق الغفور والشكور

يقوا ابن فارس: [الشين والكاف والراء أصول أربعة:

فالأول: الشكر: الثناء على إنسان بمعروف يوليكه، ويقال إن حقيقة الشكر الرضا باليسير]

[والشكور: فعول من الشكر وأصل الشكر في الكلام هو الظهور ومنه يقال شكير النبت، وشَكَرَ الضرعُ إذا امتلأ، وامتلاؤه: ظهوره، ويقال: دابة شكور: أي: سريعة السمن

فكأن الشكر من الله تعالى هو إثابة الشاكر على شكره، فجعل ثوابه للشكر وقبوله للطاعة: شكراً على طريقة المقابلة.]

[والشكر: عرفان الإحسان ونشره ..... والشكر من الله تعالى: المجازاة والثناء الجميل ..... والشكور: من صفات الله جل اسمه، ومعناه: أنه يزكو عنده القليل من أعمال العباد فيضاعف لهم الجزاء، وشكره لعباده: مغفرته لهم.]

وقد اعتنق الاسمان في القرآن الكريم ثلاث مرات:

الأولى والثانية في سورة فاطر في الآيتين 30، 34

أما المرة الأخيرة فجاءت في سورة الشورى آية 23

في الآية الأولى ورد الاسمان في سياق الحديث (الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا .... سِرّاً وَعَلانِيَةً ........ ) (فاطر:29)

وبعده بقليل كان الجزاء والجزاء (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ َقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ) (فاطر: 33، 34)

فعقب على فعلهم وعبادتهم (إنه غفور شكور)

وعقب على الجزاء من الله بقولهم: (إن ربنا لغفور شكور)

فالشكر متبادل، وهذا يؤكد كلام الزجاج من أن الشكر هو إثابة الشاكر على شكره، فجعل ثوابه للشكر وقبوله للطاعة شكراً على طريقة المقابلة

والموضع الثالث يؤكد هذا وهو ما جاء في سورة الشورى حيث يقول الله تعالى (ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ) (الشورى:23)

فقوله (ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسناً)

يؤكد ما سبق ولذلك عقب بقوله (إن الله غفور شكور)

وكأن المغفرة هنا هي الزيادة على عدم المعاقبة، فعدم المعاقبة هي الجزاء، ثم زيد عليها الستر والمغفرة فكانت المغفرة زيادة؛ ولذلك اقترنت بالشكور ليفهم أنها مغفرة شكور يقول الطاهر بن عاشور- رحمه الله-:

[المقصود بالتعليل هو وصف الشكور، وأما وصف الغفور فقد ذكر للإشارة إلى المقترفين السيئات في الاستغفار والتوبة ليغفر لهم فلا يقنطوا من رحمة الله]

كما أن تقديم الغفور يعني أن هناك شوائب في الطريق ينبغي أن تمحى وتستر أولاً، فسترت ومحيت شكراً من الله تعالى.

وهذا مطلبهم ففي الآية الأولى قيل: (يرجون تجارة لن تبور)

و في الآية الأخرى قيل: (لهم ما يشاءون عند ربهم)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير