أنا أوافقك على أنا مسألة الأحرف السبعة من المسائل التي لم تأخذ حقها من التحرير في كتب علوم القرآن وأفضل من رأيته كتب حول هذا الموضوع - في نظري - الشيخ عبدالعزيز القارئ، ولعل الله أن يقيض لهذا الموضوع من يحرره حق التحرير، ولعله أن يكون أنت. وجزاك الله خيرا.
ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[03 Dec 2003, 08:39 ص]ـ
معلومٌ أن القرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين كما أخبر الله بذلك في كتابه الكريم في أكثر من موضع، فليس المراد باللغة هنا ما يخالف اللغة العربيَّة من لغات أخرى كالفارسية والرومية والتركية وغيرها من اللغات الأخرى الأعجمية، وإنَّما المراد باللغة هنا ما يطلق عليه في الاصطلاح العلمي الحديث: اللهجة، وهي مجموعة من الصفات اللغوية التي تخص بيئة معينة، يشترك في هذه الصفات جميع أفراد تلك البيئة (1).
وبيئة اللهجة جزء من بيئة أوسع وأشمل تضم عدة لهجات لكل منها خصائصها، ولكنها تشترك جميعاً في مجموعة من الظواهر اللغوية.
وتلك البيئة الشاملة التي تتألف من عدة لهجات هي التي اصطلح على تسميتها باللغة، فالعلاقة بين اللغة واللهجة هي العلاقة بين العام والخاص، فاللغة تشتمل على عدة لهجات لكل منها ما يميزها، وجميع هذه اللهجات تشترك في مجموعة من الصفات اللغوية التي تؤلف لغة مستقلة عن غيرها من اللغات.
ويُعبِّر القدماء عمّا نسميه الآن باللهجة بكلمة {اللغة} كثيراً، فيشير أصحاب المعاجم إلى لغة تميم، ولغة طيء، ولغة هذيل، وهم يريدون بذلك ما نعنيه نحن الآن بكلمة {اللهجة} وقد يعبّرون بكلمة {اللسان}، وهو التعبير القرآني: {وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: 4] (2).
وقد ذكر ابن عبدالبر - رحمه الله - أقوال العلماء في اللغات التي نزل عليها القرآن، واختار أن القرآن الكريم نزل بلغة قريش في الأغلب.
والذي يظهر - والله أعلم - أن القرآن الكريم نزل بلغة قريش قوم الرسول صلى الله عليه وسلم وذلك لِحِكَم جليلة، أهمها (3):
1 - أن قريشاً هم قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جرت سنة الله في رسله أن يبعثهم بألسنة أقوامهم كما قال تعالى: {وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم: 4].
2 - أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أُمر بتبليغهم أولاً كما في قوله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] فلابد من مخاطبتهم بما يألفون ويعرفون ليستبين لهم أمر دينهم فأنزل الله القرآن بلغتهم وأساليبهم التي يفضلونها، في مستوى رفيع من البلاغة لايجاري.
وهذا ما دلت عليه الآثار المروية عن عمر وعثمان - رضي الله عنهما -.
3 - أن لغة قريش أفصح اللغات العربيَّة، وهي تشمل معظم هذه اللغات لاختلاط قريش بالقبائل، واصطفائها الجيد الفصيح من لغاتهم، فإنزال القرآن بلغة قريش يعني نزوله بألسنة العرب جميعاً من حيث الجملة، ولذلك ترجم البخاري لحديث عثمان السابق بقوله: (باب نزل القرآن بلغة قريش والعرب قرآناً عربياً بلسان عربي مبين ... وذكر حديث عثمان - رضي الله عنه - (4).
ويجاب عمّا ذكره العلماء من وجود غير لغة قريش في صحيح القراءات، وكذلك وجود بعض الكلمات التي قيل إنها بلغات غير لغة قريش (5) بأجوبة:
منها: أن ما ورد من هذه الألفاظ وإن كانت في الأصل من غير لغة قريش لكن قريشاً أخذتها واستعملتها حتى صارت قرشية بالاستعمال، ومعروف أن مركز قريش هيأ لها أن تأخذ من اللغات الأخرى أعذبها وأسلسها.
ومنها: أن هذه الكلمات واللغات المذكورة مِمَّا توافقت فيه لغة قريش وغيرها إلاَّ إنها عند غير قريش أشهر وأعرف.
وتوافق اللغات في بعض الكلمات أمر غير مستنكر ولا مستغرب، وأيّاً كان الحال، فوجود هذه الكلمات واللغات في القرآن لاينافي كون القرآن نزل بلغة قريش.
ومثل هذه الكلماتُ التي جاءت في القرآن وقيل: إنها غير عربية في الأصل كالمشكاة والقسطاس، واستبرق، ونحوها، فإنها إمَّا صارت عربية بالاستعمال، أو أنها مِمَّا توافقت فيها لغة العرب وغيرهم، ولم يطعن وجودها في كون القرآن نزل بلسان عربي مبين (6).
التعليقات والحاشية
¥