تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

على أن بعضهم تأول قوله تعالى: (لعلهم يرجعون) على غير المعنى المعروف منها، فقال: (أي لعلهم يريدون الرجوع ويطلبونه كقوله: (فارجعنا نعمل صالحاً) وسميت إرادة الرجوع رجوعا كما سميت إرادة القيام قياما في قوله تعالى: (إذا قمتم إلى الصلاة) ويدل عليه قراءة من قرأ يرجعون على البناء للمفعول ذكره الزمخشري) (تفسير القرطبي 14/ 108).

و هذا تأويل بعيد، و الآيات الدالة على المعنى المعروفِ كثيرةٌ جدًّا، كقوله تعالى: (ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون * فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون)، و قال تعالى: (لقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون)، و قال تعالى: (أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون).

خاتمة:

الذي يظهر للمتأمل أن المعاني المذكورة – عدا المعنى الأخير - لا تضادَّ بينها، و إنما هي أفراد للعذاب الدنيوي، الذي أُطلِقَ، و لم يُبيَّن، و هذا اختيار ابن جرير إمامِ المفسرين حيث قال عن كل تلك الأقوال عدا القول القائل بأنه عذاب القبر: ( .. فكل ذلك من العذاب الأدنى، و لم يخصص الله تعالى ذكره إذْ وعدهم ذلك أن يعذبهم بنوعٍ من ذلك دون نوعٍ، وقد عذبهم بكل ذلك في الدنيا بالقتل والجوع والشدائد والمصائب في الأموال فأوفى لهم بما وعدهم).

و أشار إلى عمومه شيخ الإسلام رحمه الله بقوله: (وكذلك قوله: (ولنذيقهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون) يدخُلُ في العذاب الأدنَى ما يكون بأيدي العباد - كما قد فُسِّر بوقعة بدر بعض ما وعد الله به المشركين من العذاب). (المجموع 15/ 45).

و كتب أبو تيمية الميلي حامدًا و مصليًا و مسلِّمًا

ليلة الأربعاء التاسع من شوال سنة 1424من الهجرة النبوية

*الهوامش:

1 أخرجه ابن جرير (21/ 108) و غيره بسند حسن.

2 أخرجه مسلم (2799) و غيره ولفظه (ولنذيقنهم من العذاب الأدنى قال مصائب الدنيا والروم والبطشة أو الدخان- شعبة الشاك في البطشة أو الدخان -) و استدركه الحاكم عليهما فأخطأ.

3 أخرجه ابن جرير (21/ 109) و البيهقي في الشعب (9822) بسند جيِّدٍ عن أبي العالية.

4 أخرجه ابن جرير بسند صحيح و عبد الرزاق في تفسيره (2307) بسند منقطع.

5 أخرجه الثوري في تفسيره (ص 240 – رواية أبي حذيفة النهدي) و ابن أبي شيبة (35396) و ابن جرير و أبو نعيم في الحلية (4/ 231) بسند صحيح.

6 أخرجه ابن جرير و غيره بسند يصلح مثله في باب التفسير.

7 أخرجه ابن جرير من طريق شبيب عن عكرمة عن ابن عباس، و شبيب هو ابن بشر البجلي، وثقه ابن معين في رواية الدوري. و قال أبو حاتم: لين الحديث حديثه حديث الشيوخ. و قال ابن حبان في الثقات: يخطئ كثيرا، فمثله في الأصل يصلح لمثل هذا، لكن أخشى أن يكون وهم في النقل عن ابن عباس فالرواية الأولى المتقدمة عندي أولى، لا سيما و لها إسناد آخر تعتضد به.

8 أخرجه الثوري في تفسيره (ص 240 – رواية أبي حذيفة النهدي) و ابن جرير و الطبراني في " الكبير " (9038) و الحاكم (4/ 253) و غيرهم من طرق عن الثوري عن أبي الضحى عن مسروق عن ابن مسعود أنه قال في الآية: يوم بدر (دون العذاب الأكبر) يوم القيامة (لعلهم يرجعون): لعل من بقي منهم أن يتوب فيرجع.و هذا سند جيِّد، و قد رواه محمد بن كثير عن الثوري فقال: عن الأعمش بدل السدي فأخطأ، أخرج روايته الحاكم 2/ 414.

9 أخرجه ابن جرير بسند صحيح عن قتادة قال: كان مجاهد يحدِّث عن أبي بن كعب قال في العذاب الأدنى هو يوم بدر.قلت: فيه انقطاع في موضعين، الأول: أن قتادة لم يسمع من مجاهد، غير أن هذا الانقطاع لا يضر، و ذلك لأن الواسطة معروفة، و هي ثقة، قال أحمد (لم يسمع من مجاهد بينهما أبو الخليل) (المراسيل 627 للرازي) و أبو الخليل هو صالح البصري ثقة.

و الموضع الثاني: ما بين مجاهد و أبي بن كعب، فإنه لم يدركه، لكن مرسلات مجاهد تصلح في مثل هذا، ففيها قوة على غيرها كمراسيل عطاء و نحوه، و لا أراه مخالفًا كثيرا لما ثبت أعلاه عن أبي، فما أصاب الكفار يوم بدر من مصائب الدنيا، فلا اختلاف، إلا أن التعيين هنا و الإطلاق هناك فيها بعضُ اختلاف.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير