ومن هذا يتبين أن هذه الأحرف تخرج عن المتشابه الكلي، كما لا تدخل في السؤال الذي يطرحه بعض العلماء، وهو هل في القرآن ما لا يعلم معناه؟ لأنها أحرف لا تحتوي على معنى بذاتها فيطلب منها، أما إذا تركب منها الكلام، فلا يمكن أن يكون في القرآن كلام لا يعرف معناه، والله الموفق.
وبقي في هذه الأحرف مسألة، وهي المغزى من هذه الأحرف، وهو على التحقيق:ما ذكر ابن كثير (ت: 774)، قال: (وقال آخرون: بل إنما ذكرت هذه الحروف في أوائل السور التي ذكرت فيها بيانًا لإعجاز القرآن، وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله، هذا مع أنه مركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها.
وقد حكى هذا المذهب الرازي في تفسيره عن المبرد وجمع من المحققين، وحكى القرطبي عن الفراء وقطرب نحو هذا، وقرره الزمخشري في كشافه، ونصره أتم نصر، وإليه ذهب الشيخ الإمام العلامة أبو العباس ابن تيمية، وشيخنا الحافظ المجتهد أبو الحجاج المزي، وحكاه لي عن ابن تيمية.
قال الزمخشري: ولم ترد كلها مجموعة في أول القرآن، وإنما كررت ليكون أبلغ في التحدي والتبكيت كما كررت قصص كثيرة، وكرر التحدي بالصريح في أماكن.
قال: وجاء منها على حرف واحد؛ كقوله: (ص)، (ن)، (ق)، وحرفين مثل: (حم)، وثلاثة مثل: (الم)، وأربعة مثل: (المر)، (ألمص)، وخمسة مثل: (كهيعص) و (حم عسيق)؛ لأن أساليب كلامهم على هذا: من الكلمات ما هو على حرف وعلى حرفين وعلى ثلاثة وعلى أربعة وعلى خمسة لا أكثر من ذلك.
قلت: ولهذا كل سورة افتتحت بالحروف، فلا بد أن يذكر فيها الانتصار للقرآن، وبيان إعجازه وعظمته، وهذا معلوم بالاستقراء، وهو الواقع في تسع وعشرين سورة، ولهذا يقول تعالى: (الم ? ذلك الكتاب لا ريب فيه) (البقرة: 1 ـ 2).
(الم ? الله لاإله إلا هو الحي القيوم نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه) (آل عمران: 1 ـ 2).
(المص ? كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه) (الأعراف: 1 ـ 2).
(الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور باذن ربهم) (إبراهيم: 1).
(الم ? تنْزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين) (السجدة: 1 ـ 2).
(حم ? تنْزيل من الرحمن الرحيم) (فصلت: 1 ـ 2)
(حم ? عسق ? كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم) (الشورى: 1 ـ 3).
وغير ذلك من الآيات الدالة على صحة ما ذهب إليه هؤلاء لمن أمعن النظر والله أعلم)) (6).
وبهذا ينتهي الحديث عن الأحرف المقطعة، وبالله التوفيق.
..............
(1) ينظر على سبيل المثال: مقدمة جامع التفاسير للراغب الصفهاني، تحقيق: أحمد حسن فرحات (ص: 86).
(2) مقدمة جامع التنفاسير (ص: 105).
(3) مقدمة جامع التفاسير (ص: 142).
(4) ليس في الأصل» إلاَّ «، وقد زدتها لأن المقام يقتضيها.
(5) مقدمة جامع التفاسير (ص: 147 ـ 148).
(6) تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، ط: 3 (1: 38). وقد نصر هذا القول الشنقيطي في أضواء البيان واستدل بالاستقراء الذي أشار إليه ابن كثير، ينظر: أضواء البيان (3: 5 ـ 7).
ـ[ابن الشجري]ــــــــ[07 Jan 2004, 06:09 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الشيخ الفاضل مساعد الطيار ـ اسعده الله في الدنيا والاخره ـ
ليس عندي مزيد علىماذكرت أو اعتراض أو مناقشة فليس هذا من دأبنا مع طلاب العلم الكبار، فمازلت مسددا موفقا زادك الله من فضله.
لكن عندي جهالة لازمتني حول هذه المسأله لم أشأ تحقيقها أو إثارتها أوالسؤال عنها، خشية من أن يكون الاشكال ليس متعلقا بعين المسأله أكثر مماهو متعلق بالمستشكل. لها، فيكون السكوت عند ذلك اسلم حتى يفتح الله وهو الفتاح العليم، وكم كنت افزع الى ماذكره شيخ الاسلام الثاني ابن القيم ـ رحمه الله ـ في البدائع حول هذه المسأله فليتكم اشرتم اليه في بحثكم الماتع.
وما اشكل لدي هوأن المشهوروالمعروف عند العامة والخاصة أن العرب لم تكن تفهم للحرف معنى بمفرده دون اتصال بحرف آخر، كماذكرتم واخترتم ـ حفظكم الله ـ
وهذا القول: وإن كان قولا قد يكون مسلما به دون حاجه الى أن يلتمس له دليل. الا انه قد اشكل علي ماوضعه بعض ائمة اللغة من كتب في معاني الحروف , وأن لكل حرف معنا يدل عليه عند اطلاقه وإن لم يتصل به حرف آخر، فقالوا مثلا: إن معنى الالف عند العرب هو الرجل الفرد، والباء هو الرجل الكثير الجماع،والتاء هي البقرة التي تحلب ... وأستشهدوا في درج كلامهم بشئ من الشعر ليدللوا على ذلك، وهذا ما ذكرته بعض المعاجم كالتاج، وأشار اليه صاحب البصائرـ رحمه الله ـ بل افرد هذا الباب بالتصنيف من قبل ائمة كبار في علوم العربيه، عد الاستاذ رمضان عبدالتواب الكثير منهم في أول تحقيقه للكتاب المنسوب؟! في هذا الباب للخليل ـ رحمه الله ـ فذكر منهم بعد الخليل الكسائي والنضر بن شميل والمبرد وابن السكيت والامدي والفارابي والزجاجي وغيرهم، ومن الناس بعدهم في هذا الفن.
وقد تولد عندي هذا الاشكال بعد أن اطلعت على ثلاثة كتب مماذكره وحققه الاستاذ المحقق رمضان عبد التواب أولها كتاب الخليل، فابن السكيت، فالرازي.
فهل هذا ثابت عند العرب؟ وهل يلزم من ثبوته أن يكون كذلك في الحروف المقطة في أوائل السور؟ فيكون القول:بأن لها مغزى وليس لها معنى مخالف للصواب؟ وإذا كان ذلك كذلك فهل معناها في أوائل السور هو المعنى الذي استعملته العرب مع فحش في بعضه يجل عنه كلام الله عز وجل.؟ أم أنه لاعلاقة لهذا كله بمحل البحث؟
كتبت هذا لعلي أجد عندكم أوأحد الاخوه الكرام مايجلي لي الامر. مع شكري وتقديري للجميع.
¥