1 - لم أجد نصا صريحا في كلامهم يدل على دخول الأهل والأولاد في ذلك مع ما في المتون الفقهية من البسط، وكون المسألة من رؤوس المسائل، فعبارات الحنابلة (وهم من يقولون بالتحريم في أصل المسألة) تقتصر على قول:أو يضحى عنه.
2 - مما يدل على أنهم يقصدون التفريق بين الوكيل والأصيل قول صاحب حاشية الروض، وإما إذا ضحى عن غيره فلا يحرم عليه حلق ونحوه ولا يكره.
3 - أن ممن يضحى عنه الصبيان والصغار وهم غير مكلفين ولم يتم استثناؤهم في عبارات الفقهاء.
4 - أن للمسألة نظائر كزكاة الفطر، وليس من عادة الفقهاء فيها أن يقولوا عند الكلام عن كل مسألة من مسائل زكاة الفطر إذا أراد أن يخرج الزكاة عنه وعن أهل بيته فليفعل كذا، ويكتفون بذكر ذلك مرة واحدة عند بيان أصل الوجوب.
هذه التقدمة في حال ثبوتها تمنع الخلاف رأسا ولكن على فرض أن مراد الفقهاء بعبارة (يضحى عنه) أهل البيت من النساء والأولاد فقد اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: أن النهي عام للرجل وأهل بيته، ويصير هذا القول على الفرض السابق للحنابلة رحمهم الله وهو مشهور في كتب متأخريهم كالروض والكشاف والمبدع والدليل والمنار.
واستدل بعض من ينصر هذا القول بظاهر حديث أم سلمة وأنهم يدخلون في عموم مريدي التضحية.
القول الثاني: أن النهي خاص بالمضحي المباشر للتضحية أو الأصيل الذي وكل غيره دون أهل بيته، وبه قال الأئمة سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله، واللجنة الدائمة.
واستدلوا بالبراءة الأصلية، وعدم الدليل، فالحديث ذكر مريد التضحية دون غيره.
ويمكن أن يجاب على استدلال الأولين بأن:
1 - أن أحاديث الأضحية جاء فيها أن النبي صلى الله عليه ضحى عن نفسه وأهل بيته، وأنه ضحى بكبشين أقرنين أملحين، وليس في شيء منها نسبة الأضحية إليهم، فدل الإخبار عن فعله أن المراد بالمضحي هو المباشر للأضحية. بينما تنسب الأفعال الأخرى إليهم كقولهم أهلت عائشة بالحج، طافت، سعت ونحو ذلك. وأنه لو كان المراد أهل بيته لاحتاج إلى بيان، وتأخيره عن وقت الحاجة لا يجوز.
2 - أن النبي صلىالله عليه وسلم ضحى عمن لم يضح من أمته، فإذا قلنا بأن من ضُحي عنه يدخل في العموم دخلت الأمة جميعا في الحكم وصار التحريم شاملا لها، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر عموم الأمة بذلك لا في عصره ولا بعده.
3 - أن ذلك يؤدي إلى التسوية بين المضحي والمضحى عنه، وإمكان نسبة الفعل إلى كل منهما معا، وهذا لايصح لغةً ولا شرعاً، فقولنا: حج زيد عن عمرو، يختلف عن قولنا: حج عمرو.
وقولهم بأن المضحى عنه (وإن اشترك في الأجر مع المضحي) أنه مضح في ظاهر اللفظ لا يستقيم مع قواعد اللغة، فإسناد الفعل ينصرف إلى الفاعل المباشر.
وأما من جهة الشرع، فإنه يقتضي المماثلة بين المباشر وغير المباشر. فلو أتلف المباشر الأضحية بالتفريط، أو التعدي فهل يقال إنهم مشاركون في الإثم معه؟!
وإذا طردنا هذا الأصل وأن من يضحى عنه على سبيل إشراكه في الأجر هو مضح أصيل وأن عليه تكاليف الأصيل صار المحجوج عنه كالمعضوب مثلا ملزما بالكف عن محظورات الأحرام من حين إحرام النائب ولا قائل به.
إذا ثبت أن دخول أهل البيت في معنى المضحين لا يكون إلا على سبيل المجاز وألفاظ الشرع يراد بها الحقيقة لا المجاز علمنا أن تكليفهم بالإمساك عن شعرهم وبشرهم في العشر يحتاج إلى دليل صريح يرفع البراءة الأصلية ولا سبيل إليه والله تعالى أعلم.
كتبه: عبدالله بن بلقاسم بن عبدالله ليلة الأربعاء التاسع والعشرين من ذي القعدة عام أربع وعشرين وأربعمائة وألف للهجرة.
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[21 Jan 2004, 03:35 ص]ـ
بارك الله في علمكم أبا محمد على هذا التحرير للمسألة على عادة الفقهاء الذين نعدك منهم ونرجو لك المزيد من التوفيق والسداد. وجزاك الله خيراً على هذه الفوائد التي تتعاهدنا بها بين الحين والحين، وإن كنت - حفظك الله - تصوم حتى نقول لا يفطر!
ولا يخرج طرح مثل هذه المسألة الملتقى عن مساره الذي خطه لنفسه حين انطلاقه، من التخصص، فلا تبخل علينا بأخواتها من البحوث والمشاركات القيمة، وإنا إلى فوائدك بالأشواق.
ـ[عبدالله بن بلقاسم]ــــــــ[22 Jan 2004, 12:24 ص]ـ
شكر الله لكم
وما هذه بآول بركتكم يا أبا عبدالله
وجزاكم الله خيرا على معاناة ترتيب النص وتنسيقه، ورفعكم بتواضعكم، وقد والله استحييت من تشجم مثلكم معاناة ترتيب المشاركة، ولكني أسأل الله أن يرفعكم بذلك، وأن يقيممكم مقامات العز والرفعة في العاجلة والآخرة إنه سميع مجيب
أخوك أبو محمد
ـ[الشجاع]ــــــــ[23 Jan 2004, 07:21 م]ـ
جزاك الله خيراً أيها الأخ عبدالله على هذا التحرير الجيد لهذه المسأله