فهذا الحديث يدل على دخول الناس كافة في دين الله في زمن عيسى عليه السلام، ولا يقال بأن عيسى يقتل جميع من لم يكن مؤمناً؛ لأن هذا لم يرد به دليل، ويبعد أن يقتل أعداداً هائلة من البشر؛ لأن نزوله إنما هو لهداية الناس، لا لإزهاق أرواحهم، فدل على أن وقته يكون لدعوة الناس للإيمان، وبالتالي فزمنه زمن إيمان وقبول، والله تعالى أعلم.
تنبيه:
كنت في أول الأمر أميل إلى الجمع التالي:
أولاً: أن معنى حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
1 - أن أول الآيات خروجاً هو: طلوع الشمس من مغربها، كما هو الظاهر من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وكما دل عليه حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه (110).
2 - أن خروج الدجال وعيسى عليه السلام والدابة يعقب طلوع الشمس من مغربها.
3 - أن من آمن بعد طلوع الشمس من مغربها لا ينفعه الإيمان.
4 - أن نزول عيسى عليه السلام يكون بعد طلوع الشمس من مغربها وبعد خروج الدجال.
5 - أن وقت عيسى عليه السلام لا ينفع فيه إيمان من لم يكن آمن من قبل، وأتباع عيسى إنما انتفعوا بإيمانهم الذي كان معهم قبل خروج هذه الآيات.
6 - أن نزول عيسى عليه السلام إنما هو لكسر الصليب، ووضع الجزية، وقتل الدجال، وليس لدعوة الناس للإيمان، يدل على ذلك حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر نزول عيسى بن مريم عليه السلام فقال: « ... فَلَا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ، وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ ... ». (111) فهذا الحديث يدل على أن عمله قتل الكفرة، لا دعوتهم للإيمان. (112)
ثانياً: ويحتمل أن يكون معنى حديث أبي هريرة: أن هذه الأمور الثلاثة، إذا وقعت بهتت الناس وحيرتهم، فلم يقووا على التوبة والثبات إلا من حسن عمله وصح توكله على الله تعالى، يدل على ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سِتًّا: الدَّجَّالَ، وَالدُّخَانَ، وَدَابَّةَ الْأَرْضِ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَأَمْرَ الْعَامَّةِ، وَخُوَيْصَّةَ أَحَدِكُمْ». (113) ومعنى الحديث أن هذه الأمور دواه ومصائب عظام، تُلهي الإنسان عن العمل الصالح وتشغله، أو لا يوفق إليه من لم يسبق له قدم ثبات على الهدى والحق، فيفتن عن التوبة والعمل الصالح، لا لمانع، ولكن لضعف إيمانه الذي لا يصمد أمام هذه الدواهي.
لكن تبين لي فيما بعد عدم صحة هذين القولين، وقد ذكرت ما يدل على بطلانهما، وذكرت أن زمن عيسى ينفع فيه الإيمان مطلقاً، وأن طلوع الشمس لا يصح كونه قبل خروج الدجال، ونزول عيسى عليه السلام.
والاحتمال الثاني: فيه حمل الحديث على المجاز لا الحقيقة، ولا يخفى أن الأصل حمل النصوص على الحقيقة، ولا يجوز العدول عن ذلك إلا بدليل، ولم يقم الدليل على ذلك فوجب البقاء على الأصل، والله تعالى أعلم.
=========================
هامش التوثيق
=========================
(1) رُوي هذا الحديث من طريق: فضيل بن غزوان، عن أبي حازم «سلمان مولى عزة»، عن أبي هريرة، به.
وقد روي عن فضيل بن غزوان من عدة طرق:
الأول: طريق محمد بن فضيل:
أخرجه من طريقه: الإمام مسلم في صحيحه، في كتاب الإيمان، حديث (158)، عن محمد بن العلاء، عن محمد بن فضيل، به. قال الإمام مسلم: «واللفظ له» يعني: أن لفظ الحديث الذي ذكره إنما هو من رواية محمد بن العلاء. وهو اللفظ المذكور في المتن.
وأخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (5/ 411)، عن محمد بن العلاء، به. ولفظه لفظ مسلم.
وأخرجه أبو يعلى في مسنده (11/ 33)، عن عبد الله بن عامر، عن محمد بن فضيل، به. ولفظه لفظ مسلم.
وأخرجه أيضا (11/ 31) عن أبي هشام الرفاعي، عن محمد بن فضيل، به. وفيه اختلاف في ترتيب الآيات، حيث جاء بلفظ: «الدابة، والدجال، وطلوع الشمس من مغربها».
الثاني: طريق يعلى بن عبيد:
أخرجه من طريقه: الإمام الترمذي في سننه، في كتاب التفسير، حديث (3072)، عن عبد بن حُميد، عن يعلى بن عبيد، به، وفيه اختلاف في ترتيب الآيات، حيث جاء بلفظ: «الدَّجَّالُ، وَالدَّابَّةُ، وَطُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ الْمَغْرِبِ، أَوْ مِنْ مَغْرِبِهَا».
¥