تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كما يسخر البوطي ممن يقرأ {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} بأنها أية تدل على أن المسلم لم يهتد إلى الصراط المستقيم وعليه أن يبحث عنه في معتقدات أخرى بالقول أن المسلم ليس بطارية يتم شحنها إلى الأبد بالهداية. ويتهكم على "المتعالمين" الذين ينكرون تسبيح الجمادات لله، فالقوانين هي التابعة والخاضعة لحاكمية الله وليس العكس، القرآن يردّ على هؤلاء بالقول: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً}. كما يتهكم على القائلين بأن حديث الله عن ذاته بضمير الجماعة يناقض وحدانيته ويتهمهم بالجهل بقواعد العربية والنكت البلاغية في التكلم بضمير الجماعة. ويردّ على منكري معجزة طير الأبابيل بالقول أن الإجماع تم على أن العلم يتبع المعلوم كما يقول المناطقة، وأن عددا من الشعراء الجاهليين وصفوا هذه " الأسطورة " منهم صيفي بن عامر وعبد الله الزبعري، كما أن أحدا من مشركي مكة وأعداء الإسلام لم ينكر الحادثة، أما تأويل انفراط جيش أبرهة بوباء الجدري فمنكر إذ لا يعقل أن مرضا ساريا يفني جيشا من ستين ألفا في دقائق!

ويفسر الكاتب ما استشكل على المسلمين من مشكلة تحديد ليلة القدر، فما هو ثابت أن مواقيت الأيام والليالي دائرة ومتوالية على الكرة الأرضية ويقول أن فضيلة ليلة القدر ليست منبثقة من ذاتها وجوهرها وإنما هي عارضة لها أينما وجدت ومهما تكررت مع امتداد الليل والنهار بسبب إقبال الله على عباده فيها بالمغفرة والرحمة الإكرام واستجابة الدعاء.

ويشرح "لمن يشكو من الفهم السقيم" دعوى التناقض بين الآية {لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ُ} وآية أخرى تقول: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْض} بأنه ليس بينها إلا منتهى الانسجام فالأولى تقرر أن الرسل صادقون فيما أخبروا به، أمناء فيما بلغوا عن الله والثانية تقرر أن الرسل متفاوتون في درجاتهم وقربهم من الله. كما أن كثيرا من "مرضى القلوب" يزعم أن الله يخلق الإنسان ثم يعاقبه {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} بالقول أنهم يقرؤون الآية مجتزأة من السياق. والمقصود بما تعملون هو الأصنام.

ويدحض أكذوبة الغرانيق التي أوردها الطبري، ويصفها بأنها مدسوسة وأحاديث مرسلة منقطعة لم ترو عن صحابي وإنما عن التابعين. كما يشرح لذوي "الأفكار الصلعاء" الفرق بين قوامة الرجل على المرأة ومفهوم الولاية المختلف عن القوامة وشتان بينهما فقد قرر الله قوامة الرجل على المرأة لكن الشريعة ساوت بين الرجل والمرأة في حق الأهلية. وعن تقرير القرآن حق الرجل في ضرب الزوجة الناشز وعدم منح الزوجة الحق نفسه عند نشوزه يردّ بالقول إن الشارع لم يفعل لحماية الزوجة من إن يتحول الزوج عندما تقبل إليه الزوجة بالضرب إلى وحش يحطمها. ويردّ الكاتب شبهة تجنيد الرسول للقرآن كي يسهل زواجه من ابنة عمته زينب، فكل الآثار المتواترة تؤكد العكس، أي طلب الرسول من متبناه زيد إمساك زوجه التي كان يشتكي منها، وحتى إذا صح حديث " سبحان مقلب القلوب" الذي يجيّر إلى أن قلبه تحرك نحوها، فأنه لا يغض من كرامة المصطفى.

ويشرح معنى خلافة الإنسان لله بأنها تكريم للإنسانية جمعاء وتكليف لها بحمل الأمانة وليس معناها غياب لله عزّ وجلّ، وأن المقصود بالخلافة آدم وذريته بشرط عمارة الأرض. ويردّ على حديث القرآن عن الجزئيات في الجنة كالحديث عن الأكواب والنمارق والسرر المرفوعة بأنها ليست لغوا بل أنها تؤكد البعث الثاني بالجسد وليس الروح كما يدعي البعض، وعن زعم أن القرآن من تأليف عمر بن الخطاب بالقول أن القرآن إذا كان قد وافق عمرا في ثلاث: مقام إبراهيم، وفي الحجاب، وفي أسارى بدر، فأنه وافق كثيرا من الصحابة فهل يعني أنه من تأليفهم! كما أن القرآن الكريم خالف عمرا في صلح الحديبية وفي حادثة حاطب بن أبي بلتعة الذي طالب عمر بقتله لخيانته وغيرها من الوقائع. ويردّ على مفهوم مكر الله بعباده بأنه مشاكلة بلاغية لكلام العرب؟ ويشرح في المقال الأخير من الكتاب كيفية كتابة القرآن ووصوله إلينا سليما فأول من جمعه أبو بكر وعمر وبقية الصحابة بين دفتين ثم أودع عند حفصة في ما سمي بالمصحف الإمام إلى أن طلبه عثمان في خلافته لينسخه ويوزعه في الأمصار.

غير أن أكثر آراء البوطي جرأة هو رده على قضية الحور العين وبأنها ليست حكرا على الرجال فالبيان الإلهي إجمالي ولا يرمي إلى إحراج الطبائع البشرية المتفاوتة بين الرجل والمرأة ... البيان الإلهي الحكيم لا يصارح المرأة بما يصارح به الرجل.


الكتاب: لا يأتيه الباطل
الكاتب: محمد سعيد رمضان البوطي
الناشر: دار الفكر. دمشق. 2007
يقع الكتاب في 236 من القطع الوسط

ـ[سمير القدوري]ــــــــ[23 Nov 2007, 11:28 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا جهد مشكور من فضيلتكم بارك الله لنا في علمكم.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير