تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[الترجمة الخاطئة للعلم أدت لإرباك فكري.]

ـ[مرهف]ــــــــ[28 Dec 2008, 06:04 م]ـ

الترجمة الخاطئة للعلم أدت لإرباك فكري

العلم بمعناه الواسع لايقتصر على الجانب الشرعي

أ. د. جعفر شيخ إدريس

أود أن أبين في هذا المقال بعض الحقائق في علاقة الدين بالعلم راجياً أن تساعد في حسم الخلاف في بعض ما دار في هذه المسألة:

أولاً: رأى الغربيون أن يميزوا بين العلم بمعناه العام الذي تدل عليه كلمة نولدج knowledge والعلم بالمعنى الخاص الذي هو العلم التجريبي أو الطبيعي، فاختاروا للثاني كلمة خاصة مأخوذة من اللغة اللاتينية هي كلمة سينس science.

لكن الذين ترجموا هذه الكلمة إلى اللغة العربية فعلوا عكس ذلك تماما. لقد عمدوا إلى أكثر الكلمات دلالة على العلم بمعناه الواسع هي كلمة علم فجعلوها ترجمة للعلم بهذا المعنى الخاص. هذه الترجمة الغالطة التي جعلت العلم بمعناه العام هو السينس هي التي أدت إلى إرباك فكري ما نزال نعاني منه. إن بإمكان المتحدث بلغة غربية أن يقول عن كلام ما هذا نولدج (علم) لكنه ليس سينس. فكل سينس علم ولكن ما كل علم سينس. لكن المتحدث باللغة العربية لا يستطيع أن يميز بين الأمرين إلا إذا وصف العلم بمعناه الخاص بالعلم الطبيعي أو التجريبي. وقد أدى هذا الخطأ إلى خطأ حتى في فهم طبيعة القرآن الكريم. فبالرغم من وجود عشرات الآيات التي تصف هذا الكتاب بأنه كتاب علم، صرت تجد حتى بين المؤمنين به من يقول لك إن القرآن ليس كتاب علم وإنما هو كتاب هداية. وياليت شعري هل تكون هداية بغير علم؟ لكن عزاءنا أن الذين يقولون هذا إنما يعنون أن الإسلام ليس كتاب سينس، وهو كلام صحيح. إن العلم بمعناه الواسع ليس قاصرا على العلم الشرعي ولا العلم التجريبي، بل إن كل كلام أو دعوى مطابقة للواقع فهي علم. ولكن لأن العلم الذي أوحاه الله تعالى هو أجل العلوم، فإن القرآن الكريم يذكره بصيغة مطلقة ويذكر غيره مقيدا، كما في قوله تعالى:} فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ {(الروم: 83)، وقوله:} يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ {(الروم: 7)

ثانياً: لو أن مجال العلم الطبيعي كان منفصلا تماما عن مجال الدين لما احتجنا للحديث عن الفصل بينهما، بل لقلنا إن الفصل قائم فلا تخلطوا بينهما لكن الواقع أن هنالك تداخلا بين الدين الحق وبين السينس يجعل الفصل الكامل بينهما أمرا مستحيلا. الدين يتكلم عن مخلوقات الله تعالى المشهودة كما يتكلم عنها السينس، لكن الأخير لا يتعرض لكل ما يتعرض له الدين من مخلوقات الله تعالى لأن وسائله لا تمكنه من الكلام عنها بعلم لأنه ما يزال يتطور فيكتشف اليوم ما لم يكن متيسرا له اكتشافه بالأمس وهكذا. وكلام الدين عن المخلوقات المشهودة التي هي من اختصاص السينس هو الذي جعل شيئا كالإعجاز العلمي (الذي ينبغي أن يفهم منه الإعجاز السينسي) أمرا ممكنا. ما هذا الإعجاز؟ إنه تأييد السينس بوسائله العلمية الحديثة لحقائق قررها كتاب الله تعالى من قبل بغير تلك الوسائل. دعينا ذات مرة لحضور مؤتمر طبي أقيم بمدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية كان فيه جلسة تتعلق بالعلاقة بين الطب والإسلام. وكان من ضمن ما سمعنا كلاما قاله أحد الأطباء الفلبينيين. قال إنه تخرج في علم الطب في كندا وأنه كان من أساتذته أستاذ مختص بعلم الأجنة، وأن هذا الأستاذ كتب له وهو بالفلبين بعد تخرجه وهو بالفلبين رسالة يقول له فيها إن في القرآن الكريم كلاما ملفتا للنظر عن تطور الأجنة، يعني قوله تعالى:

} وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ. ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ. ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ {(المؤمنون: 12 - 14)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير