تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[دعوى حداثية متهافتة]

ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[22 Feb 2009, 06:55 م]ـ

اشتدّ تيار القراءات الحداثية المعاصرة للقرآن منذ التسعينيات من القرن الماضي، وتناول أصحاب هذا التيار القرآن وأعملوا فيه أدوات النقد التي استخدمت في نقد النص الديني في أوروبا؛ فجاءوا بخطة الأنسنة والعقلنة والتاريخانية، وذهبوا إلى أن تلك الأمور الغيبية عند المسلمين إنما هي من المتخيَّل الإسلامي، وهذه الأمور المتخيّلة – حسب زعمهم - إنما تعبر عن ذهنية تلك العصور الماضية، وقد سار في هذا الاتجاه محمد أركون وحسن حنفي وعبد المجيد الشرفي وبسام الجمل وغيرهم، وقد ذهب بسام الجمل إلى أن انشقاق القمر في قوله تعالى: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ) إنما كان من إنتاج المتخيَّل الإسلامي ولم يقع انشقاق حقيقة، والآية لا تذكره حسبما ذكر (1)؛ وقد مال الجمل إلى التفسير المجازي (2) الذي يقوّض سبب النزول من أساسه؛ حسب تعبيره؛ وهذا التفسير المجازي هو أن معنى "انشق القمر" أي: وضح الأمر وظهر (3)، وقد عدّ الدكتور الجمل حادثة انشقاق القمر على الحقيقة من الأمور المتخيّلة، ورفض في ذلك رواية ابن مسعود وأنس بن مالك في أسباب نزول الآية، وذكر أن المفسرين وعلماء القرآن قد سلّموا بحقيقة انشقاق القمر نصفين ورأوا فيه فعلاً غريباً من أفعال الخالق؛ ولذلك فسروا به الآية تفسيراً مباشراً (4)، وذكر أن الذي حمل الصحابة والمفسرين وعلماء القرآن على تأكيد الانشقاق الحقيقي هو سد الفراغ الكبير في القرآن الذي لم يتحدث البتة عن أي معجزة لمحمد صلى الله عليه وسلم خلافاً لما كان لسابقيه من الأنبياء من معجزات (5) وقد تأثر الجمل في ذلك بحسن حنفي الذي عدّ انشقاق القمر أحد وسائل التخييل وطرق الإقناع في الخيال الشعبي لدى القبائل الصحراوية التي تجهل قوانين العلم (6)، وهذه أقوال باطلة لا أساس لها؛ وذلك للآتي:

- سياق الآية يكذّب دعوى الدكتور ويهدمها من أساسها؛ فالآية التي تلي تلك الآية التي تتناول الانشقاق مباشرة تؤكد أن الكافرين قد رأوا هذه الحادثة رأي العين ولم ينفوها؛ بل زعموا أنها ضرب من ضروب السحر المستمرة؛ لئلا يعترفوا لمحمد صلى الله عليه وسلم بالنبوة وبما أتى به من معجزات؛ قال تعالى: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ) ثم قال: (وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرّ) وبهذا أكد السياق وقوعها الفعلي حسا ً لا مجازاً.

- من الوقائع الحسية التي تؤكد المعنى السياقي أن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة الشاهدين الحاضرين يؤكدون وقوع معجزة "انشقاق القمر" وقوعاً حقيقياً لا خيالياً؛ فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال ـ في هذه الآية ـ: (بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمِنًى إِذَا انْفَلَقَ الْقَمَرُ فِلْقَتَيْنِ فَكَانَتْ فِلْقَةٌ وَرَاءَ الْجَبَلِ وَفِلْقَةٌ دُونَهُ فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اشْهَدُوا) (7) ويقول ابن كثير: (قد اتفق العلماء مع بقية الأئمة على أن انشقاق القمر كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد وردت الأحاديث بذلك من طرق تفيد القطع عند الأمة) (8) وبعد هذا الانشقاق ـ الذي هو معجزة ظاهرة للنبي صلى الله عليه وسلم لم يختص بها أهل مكة بل جميع أهل الآفاق ـ قال الكفار: لئن كان سحرنا فإنه لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم؛ فاسألوا من يأتيكم من بلد آخر هل رأوا هذا؟؛ فسألوهم فأخبروهم أنهم رأوا مثل ذلك (9)

- من الوقائع الحسية التي تؤكد المعنى السياقي أن أهل ذلك الزمان في كل الآفاق قد أكدوا هذه الحادثة؛ إذ سجّلت بعض الكتب القديمة لمؤرخي الهند هذا الانشقاق، وفي المقالة الحادية عشرة من تاريخ "فرشته" أن أهل "مليبار" من إقليم الهند رأوه (10)، وقد أُرّخ بهذا الانشقاق لبناء بعض الأبنية في بعض بلاد الهند (11)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير