[مقال: لا تنحصر مقاصد الحوار في الدعوة (حاتم العوني)]
ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[14 Jun 2008, 05:20 ص]ـ
لا تنحصر مقاصد الحوار في الدعوة
د. الشريف حاتم بن عارف العوني
المصدر: موقع الإسلام اليوم ( http://www.islamtoday.net/questions/show_articles_content.cfm?id=24&catid=202&artid=12960)
لا يختلف اثنان في أن الحوار هو أسلوب التواصل الأمثل مع الموافق والمخالف, وأنه ما ساد الحوار في مجتمعٍ أو أمةٍ إلا دلّ على رُقِيّها العقلي والعلمي والحضاري؛ لأن الحوار هو اللغة الوحيدة التي يفهمها العقل، ويستعملها العلم، وتتداولها الحضارة. ولو تفكّرنا قليلا في البديل عن الحوار: ماذا يمكن أن يكون؟ لم نجد إلا التسلّط بالقوة. مع أن التسلط ليس أسلوبا للتواصل أصلاً، بل هو منهجٌ للتقاطع والتهاجر، مما لا يؤدي إلى تفاهمٍ ولا دعوةٍ ولا هدايةٍ (وهذه الثلاثة هي مفردات التواصل). فالتسلّطُ لم يكن .. ولن يكون منهجًا للإقناع العقلي، ولا لمحاولة تغيير المعتقدات الباطنة، ولا لتحسين تصوّر الآخرين عنا.
فلا أدري: لماذا يتوجسُ بعضنا خيفةً من الحوار، بل من الدعوة إلى الحوار؟! سواء أكان الحوار مع المخالفين لنا في أصل الدين من الكفار، أو مع المخالفين لنا في بعض (المعتقدات) من المسلمين:
هل هو رفض مبدأ الحوار الذي لا يكون إلا من ضعيف الحجة؟ وهذا ما لا يجوز أن يقع من مسلمٍ عَلِمَ أنّ الله تعالى قد حباه بالدين الحق الذي ليس سواه إلا الباطل؟
أم لأننا أصبحنا نشك في كل دعوة حق، خشيةَ أن تكون حقًّا أُرِيدَ به باطل؟
ولذلك تجد عبارات سوء الظن ظاهرةً في بيان أسباب رفضهم للحوار, من أن الدعاة إلى الحوار سيتخذونه سُلَّما للتنازل عن حقائق الدين، وإلى تمييع الولاء والبراء .. وغير ذلك من التهم!
وهذا التعميم الجائر منهم (في الشكّ)، لا يقع إلا من مسلوبِ الإرادة، أسيرٍ للغلو في فكرة المؤامرة, ولذلك فلا تكاد تجد عند هذا الصنف من الناس إلا النواح والعويل على الحمى المستباح والحق المغصوب, أما إنتاج الإصلاح وبرامج التصحيح فهم عنها بمعزل؛ إلا من الدعوة إلى منهجهم نفسه, لإنتاج نُسَخٍ أخرى لأمثالهم: من مسلوبي الإرادة، وأُسَراء التوجّس الْمُقَيَّدين بسوء الظن!
أم لأن الذين نغلو في تعظيمهم عاجزون عن الحوار، وسيتولّى مَهمّة الحوار حينها الذين كنا نريد أن نَسْلُبَهم كُلَّ فضيلة، وستنكشف بذلك هالةُ التقديس عمن نقدس، وسيظهر فضلٌ ما .. بوجهٍ ما .. في وقتٍ ما .. لمن أردناهم عَرِيِّين عن كل فضل؟! ولكنّ هذا داءٌ لا يصح أن نداويه بداء رفض الحوار!!
بل دواؤه أن نترك الغلو في ذوي الفضل على حسابِ آخرين منهم، وأنْ نعلمَ أنّ كُلًّا ميسّرٌ لما خُلق له.
كما أن بعض هؤلاء الرافضين للحوار يرفضونه من منطلق: أن الحوار المشروع ينحصر في الحوار بغرض الدعوة إلى الله تعالى، ولذلك تراهم يعدّون كلّ حوار بغير غرض الدعوة تضييعًا لحقائق الدين، وإذابةً لعقيدة الولاء والبراء. وينسى هؤلاء أن النبي صلى الله عليه وسلم حاورَ كفارَ مكة في صلح الحديبية، لا لدعوتهم إلى الإسلام، بل حاورهم على ما فيه إرجاءُ دعوتهم إلى عشر سنوات، يتركهم فيها النبي صلى الله عليه وسلم على الشرك!
وهذا حُكْمٌ مُحْكَمٌ غير منسوخ؛ ولذلك احتجّ مَنِ احتجّ من العلماء بتحديد وقت الصلح بين المسلمين والكفار بعشر سنوات.
بل لقد تضمّنت شروط صلح الحديبية بين النبي صلى الله عليه وسلم وكفار مكة: أنّ مَنْ أسلم من أهل مكة، وهاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فعلى المسلمين إعادته إلى المشركين في مكة، وأنّ من ارتدّ عن الإسلام إلى الكفر لا يعيده المشركون إلى المسلمين.
وفي هذا بيان واضح على أن الحوار بين النبي صلى الله عليه وسلم وكفار مكة في ذلك الصلح لم يكن بغرض دعوتهم للإسلام حينها، وإلا كيف يُعادُ المسلمُ منهم إليهم، ولا يعيدونَ المرتدَّ من المسلمين إليهم؟!
بل لَمَّا أن رفض مفاوضُ قريشٍ أن يكتبَ في وثيقة الصلح عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصْفَه بأنه (رَسُولُ اللَّهِ) وافقه رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك، مع ما تضمّنه هذا الإصرارُ والعنادُ من عدم الاعتراف بالمسلمين الذين ما فارقوا المشركين إلّا لإيمانهم بالرسالة.
¥