تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[الإسلام بعيون يهودية]

ـ[إبراهيم عوض]ــــــــ[09 Feb 2009, 01:15 م]ـ

[الإسلام بعيون يهودية]

(رد على مقالة "الإسلام" فى الموسوعة اليهودية)

د. إبراهيم عوض

تبدأ مقالة "الإسلام" فى "الموسوعة اليهودية: Jewish Encyclopedia " بتفسير هذا المصطلح بأنه "الخضوع لله"، وليس فى هذا ما يحتاج إلى تعقيب، فالمسلم يعمل فعلا على أن يخضع لأوامر الله ويبتعد عن نواهيه. بَيْدَ أن قول الكاتب بعد ذلك إن لفظ "إسلام" هو مصدرُ فعلٍ ينصب مفعولين ( factitive ) هو قول يحتاج إلى تعقيب. فهذا المصدر بالمعنى الذى بين أيدينا الآن مصدرُ فعلٍ لازمٍ. ذلك أن هذا الفعل فى قولنا مثلا: "أسلمتُ"، أى دخلت فى الإسلام، أو "أسلمتُ لله رب العالمين"، أى خضعت له سبحانه، لا يأخذ مفعولا به، فضلا عن أن يأخذ مفعولين اثنين. ولقد استخدم الكاتب الكلمة على النحو التالى: " submission to God "، بما يفيد أن الفعل لازم. صحيح أن الفعل فى قولنا: "أسلمتُ الطفلَ إلى أمه" يتعدى إلى مفعول، وأننا إذا أسقطنا حرف الجر فقلنا: "أسلمتُ الطفلَ أمَّه" تعدَّى إلى مفعولين، إلا أن معناه هنا يختلف عن معناه الذى نحن بصدده كما هو بَيِّن.

ثم يتحدث الكاتب عن بداية الدعوة الإسلامية قائلا إن الرسول بدأ بدعوة أهل مكة، ثم انتقل من ذلك إلى دعوة بلاد العرب كلهم، ثم بعد وفاته انتشر الإسلام على نطاق واسع خارج حدود الجزيرة. وهذا أيضا لا تعليق لنا عليه، اللهم إلا قوله فى خلال ذلك إن الإسلام قد حقق هذا الانتصار بفضل السيف. ذلك أنه كانت هناك فتوح، لا نكران لذلك، وهذه الفتوح قد وسّعت الأرض الخاضعة للدولة الجديدة، بيد أن هذا القول شىء، والقفز منه إلى أن الإسلام قد انتشر بالسيف شىء مختلف تماما. لكن الكاتب لا يبالى بهذه التفرقة التى من المؤكد أنه على وعى تام بها. ولو كان الأمر كما زعم لرأينا الشعوب التى فتح العرب بلادها تُكْرَه إكراها على اعتناق دين محمد عليه الصلاة والسلام كما حدث للمسلمين على يد النصارى فى بلاد الأندلس غِبَّ انتصارهم عليهم وقضائهم على دولتهم التى كانت موئلا للحرية الدينية، وكما حدث فى الأمريكتين حيث لم يعد هناك إلا النصرانية الوافدة بعد أن كان للهنود الحمر دينهم المختلف.

لكننا ننظر فنجد أن دخول تلك الشعوب فى الإسلام لم يكن فوريا، كما لم يتم تحت تهديد السيف، بل تم بمطلق حريتها، وأَخَذَ وقتا. فالإسلام لا يعرف الإكراه فى الدين، وقد نصت آياته على ذلك وأعلنتها صريحة مدوية: "لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ" (آل عمران/ 256)، "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآَمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ" (يونس/ 99)، "قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ" (يونس/ 108)، "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ" (هود/ 118)، "وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ" (الكهف/ 29)، "فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (22) " (الغاشية) ...

ولو كان هذا الذى يقوله الكاتب صحيحا لما قبل النبى من اليهود والنصارى الذين كانوا يساكنونه بلاد العرب إلا اعتناق دينه أو إعمال السيف فى رقابهم. بالعكس لقد كتب صلى الله عليه وسلم غداة وصوله إلى يثرب ما يسمى بـ"الصحيفة" بينه وبين يهود معطيا إياهم ذات الحقوق التى أعطيت لأتباعه، وموجبا عليهم نفس الواجبات التى حُمِّلها هؤلاء الأتباع. كما أنه لم يجبر على اعتناق الإسلام نصارى نجران حين أَتَوْا إلى المدينة ودخلوا معه فى مفاوضات وجدالات انتهت بتركه إياهم على ما هم عليه من دين وشعائر، وعادوا إلى بلادهم على هذا الوضع دون أن يتعرضوا منه لما يمس دينهم فى جليل أو حقير. وكان كل ما فعله معهم أنْ دعاهم إلى المباهلة، فلم يستجيبوا وخافوا أن ينزل الله عليهم عقابا من لدنه، مع إيثارهم فى ذات الوقت البقاء فى مناصبهم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير