تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[المتكلمون الجدد (السيد ولد أباه)]

ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[25 Jan 2008, 05:29 م]ـ

المتكلمون الجدد

السيد ولد أباه

المصدر: جريدة "الشرق الأوسط" اللندنية

http://www.asharqalawsat.com/leader.asp?section=3&article=455629&issue=10650

عبد الوهاب مدب شاعر وباحث تونسي مقيم في باريس، حيث يدرس في الجامعة ويقدم برنامجا حول الإسلام في القناة الثقافية الإذاعية المتخصصة. اصدر الرجل بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001 كتابا بعنوان «مرض الإسلام» (ترجم الى العربية بعنوان آخر).

وقد اصدر هذه الأيام كتابا جديدا بالفرنسية يحمل عنوان «الخروج من اللعنة» ادعى فيه تقديم وصفة العلاج من «المرض» الذي يعاني منه الإسلام الذي هو حسب عبارته الجمود والتعصب والعنف والانغلاق. وقد اعتبر مدب أن المدخل لإصلاح اختلالات الثقافة الإسلامية هو «تحطيم صنمية القرآن» الذي ينظر إليه عموم المسلمين بصفته كلام الله المباشر، مما يحول بينهم وبين إخضاعه للنظرة النقدية الصارمة والتحليل التاريخي النسبي على غرار ما حدث بالنسبة للنصوص المقدسة اليهودية والمسيحية. ويذهب مدب الى المطالبة بإعادة الاعتبار لموقف المعتزلة القائل بخلق القرآن الذي رأى انه يفتح الطريق أمام نزع القداسة عن الكتاب الكريم، الذي يصبح نصا موحى إلهياً عبر وساطة بشرية.

ليس في هذا التصور أي جديد، بل هو مجرد تخليص مكثف من كتابات محمد أركون الذي لم يفتأ خلال الأربعين سنة الأخيرة يكرر نفس الرأي بوتائر متمايزة بحسب اختلاف المنتديات والسياقات. ولم يخف أركون نفسه أخيرا إحباطه ويأسه من نجاح مشروعه الذي لا يلاقي إقبالا يذكر في الجامعات الإسلامية التي تسيطر عليها المجموعات الأصولية والأوساط التقليدية غير المطلعة على العلوم الإنسانية الحديثة.

ليس من همنا نقاش هذه الأطروحة في أبعادها النظرية التي توقفنا عندها في مناسبات سابقة، وإنما حسبنا الإشارة الى أنها تحولت في الفترة الأخيرة الى مرتكز مشروع «إصلاحي» شامل لأوضاع المسلمين لدى قطاع واسع من الكتاب الذين طرحوا فكرة «إسلام أنوار» مقابل «الإسلام الاصولي المتطرف». ويمكن ان نذكر من هؤلاء الذين خرجوا في الغالب من العباءة الاركونية عبد المجيد الشرفي ومالك شبل ورشيد بنزين .. (اغلبهم اصدر أعماله باللغات الأوروبية وخصوصا الفرنسية). واذا كان توظيف الاعتزال كمدرسة عقلانية ليس بالجديد في الفكر العربي المعاصر، فان التركيز على القول بخلق القرآن من منظور كونه يسمح برفع غطاء القداسة عن النص المقدس ينم عن قراءة مغلوطة وتوظيف سطحي وغير مبرر لموقف كلامي في سياقات آيديولوجية آنية لا علاقة له به. وسواء تبنينا القول الاعتزالي أو الرؤية الاشعرية التي تفصل بين الكلام النفسي القديم وبين الكلام اللفظي الحادث (كما هو واضح لدى الجويني)، فان تطبيق المناهج التأويلية والمقاربات العلمية على النص القرآني، لم يكن أبدا محظورا في الإسلام قديما أو حديثا، سواء تعلق الأمر بعلوم البيان والبلاغة والنحو سابقا أو بالعلوم الإنسانية المعاصرة، إذ الأمر لا يتعلق بالنص في ذاته وإنما بالأفهام البشرية له غير المقدسة. أما الدراسات النقدية، فقد بدأت في الفيللوجيا الاستشراقية القديمة (كتيودور نولدكة في تاريخه للقرآن) ووصلت مداها لدى تيار المراجعين الجدد (من أبرزهم مايكل كوك وكريستوف لكسمونبرغ). ولم تتجاوز هذه الأعمال حد الافتراضات الاستشراقية القديمة ولو أضيفت إليها نكهة تفكيكية براقة لم تزدها رصانة ودقة كما يقر أهل الاختصاص المتعمقون. وحاصل الأمر أن المشروع الإصلاحي المرتقب لن يتحقق بالرجوع الى الإشكالات الكلامية القديمة، أو عن طريق تطبيقات العلوم الإنسانية التي لم يعد ينظر اليها كمناهج يقينية موضوعية على غرار العلوم التجريبية، بل هي معارف تأويلية يمتزج فيها الدارس بالظاهرة المدروسة والذات بالموضوع.

وغني عن البيان، ان الشرط الأول للتصدر للإصلاح المنشود هو أن يكون من الأرضية الداخلية، حتى لو كان من المشروع توظيف المفاهيم والنظريات الحديثة في تجديد الهوية السردية للمسلمين (حسب عبارة ريكور). ولدينا أمثلة على محاولات من هذا النوع كمحاولات العالم والفيلسوف الباكستاني فضل الرحمن والمفكر الإيراني المتمرد عبد الكريم سروش والفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن، بغض النظر عن مدى قبولنا لأفكارهم التي تعبر عن نفس تجديدي أصيل وجريء.

إن تحويل ساحة المعركة الى القرآن الكريم رهان خاسر دينيا ومعرفيا واستراتيجيا، فالمناهج التفكيكية لا قدرة لها على تقويض الثقة الإيمانية التي اعتبرها رائد التفكيكية جاك دريدا مرتكز المعقولية وخلفية التواصل اللغوي. ولا شك ان النزعة الكلامية الجديدة تعكس في ما وراء خطابها المتعالم، عجزا جليا عن انجاز شعار التجديد والإصلاح الذي ترفعه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير