تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[المسيح عليه السلام بين الحقائق والأوهام]

ـ[أحمد الطعان]ــــــــ[27 Mar 2008, 11:26 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

[المسيح عليه السلام بين الحقائق والأوهام]

د. أحمد إدريس الطعان

- كلية الشريعة - جامعة دمشق

كتاب من تأليف الدكتور محمد وصفي – مراجعة وتقديم: علي الجوهري – طباعة دار الفضيلة – القاهرة.

كتب على غلاف الكتاب هذه الجملة " أهم وأخطر كتاب عن المسيحية " وقد ظننت حين قرأت هذه الجملة أنها من قبيل الدعاية والترويج التجاري فقط، ولكني حين قرأت الكتاب بتأن وتدقيق وجدته بالإضافة إلى ما قيل عنه: أهم وأخطر وأجمل ما قرأته عن المسيحية في الكتابات المعاصرة.

لقد سار المؤلف في كتابه على منهجٍ واضح تتبع فيه المسيحية منذ نشأتها إلى ما آلت إليه عبر المجامع المختلفة، وبين كيف كانت في دعوة المسيح عليه السلام، وكيف أصبحت فيما بعد على يد بولس وقسطنطين، وقد اتسم أسلوب المؤلف بالسلاسة والتدرج والوضوح، والابتعاد عن التعقيد، واستخدم في دراسته منهجية النقل والعقل والمقارنة والتحليل.

إلا أن أبرز ما برع فيه هو قدرته على توظيف النصوص الملائمة في المكان الملائم، بل إنه يسوق القارئ سوقاً إلى النتيجة التي يعبر عنها النص التالي الذي يستشهد به، وهذا إن دلّ على شيءٍ فإنما يدل على خبرته واطلاعه وحافظته ومكنته من مادته العلمية وموضوع دراسته.

ولقد كان يحسن جداً الاستشهاد بالقرآن الكريم، ويجيد توظيف الآيات القرآنية المناسبة في المكان المناسب، ولا يأتي من الآية إلا بالجزء الملائم للفكرة المستشهَد لها.

إن الكتاب على صغر حجمه – قرابة مائتي صفحة – استطاع مؤلفه أن يُضمنه خلاصة الأبحاث والتحليلات والانتقادات التي تكتنف النصرانية بسهولة ويسر وإحكام، فكأن المؤلف قد آلى على نفسه أن لا يقدم لقارئه إلا الزبدة التي تغنيه عن اللبن، فكأن المؤلف يقف على ربوة عالية يشرف من خلالها على كل مكونات النصرانية ونصوصها فيتخير منها ما يريد، ويدع ما لا يريد.

وحين ينتهي القارئ من الكتاب يجد أنه قد ألمّ بخيوط أعظم خدعة في تاريخ البشرية، وأنه قد أمسك بتلابيب أكبر دجال ظهر على هذه الأرض، إنه بولس الذي صاغ خرافة المسيحية الجديدة، ونسج أوهامها ومعتقداتها كما هي اليوم لدى النصارى البولسيين، والتي أحكم خيوطها ورسم خطوطها.

لا أعني بذلك أن المؤلف هو أول من لفت الأنظار إلى هذه الحقائق، وكشف المستور من هذه المصائب، فهناك الآلاف من المجلدات التي كتبت في ذلك قبله وبعده – كما يقول ول ديورانت – ولكن ميزة الكتاب أنه يقدم الخلاصة بإيجاز غير مُخلّ، وأسلوب يجمع بين المنهجية العلمية والدقة الأكاديمية، والعاطفة الدعوية الإقناعية.

ويعتمد في ذلك على النقد الخارجي، والنقد الداخلي للكتب التي يُقال إنها مقدسة، ولعل براعته كانت أجلى في الوقوف عند التناقضات الداخلية التي تحتويها هذه الكتب في كل موضوع من موضوعاتها، ولا سيما في الخطوط العريضة للنصرانية، والمعتقدات الرئيسة التي تؤمن بها.

إن من أجمل ما يحذيك به هو أنه يلتقط لك الحق الأبلج من بين ركام الباطل الكثيف في الأناجيل، ولا يكتفي بذلك، بل يسرع بتسليط الضوء على هذا الحق من القرآن الكريم، فإذا هما متآخيان متعاضدان، وإذا هما} نُورٌ عَلَى نُورٍ {([1]).

والحق أن الإنسان يقف حائراً جداً أمام هذه الديانة – النصرانية – المضطربة والمتناقضة، والمصادمة لبدائه العقل، كيف يوجد في الدنيا من يدين بها، وكما قال الجاحظ والله لولا أنا شاهدنا النصارى لما صدقنا أن في الدنيا من يقبل هذه الهراء، ولكن لا تفسير لذلك إلا أنه من قبيل: هذا ما وجدنا عليه آباءنا كما أخبر الباري عز وجل في قوله:} وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُون َ {. ([2]) إن محور أي دين هو الوحي، أو كتاب الوحي، أو كتابه المقدس، ولا يوجد أغرب عند الباحث المتأمل والمدقق من أن تكون التوراة والآناجيل بنسخها الحالية اعتُبرت كتباً مقدسة؟! فالتناقضات والاختلافات والمهازل والفضائح تملأ صفحات هذه الكتب، فأين أهلها الذين يدينون بها

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير