[ياسر المطرفي يرد على سعيد السريحي في نقده للخطاب الديني]
ـ[أبو حاتم]ــــــــ[13 Feb 2009, 01:26 ص]ـ
كل فكر يحمل في ثناياه بذور التقديس حتى الفكر «الشكي»
ياسر بن ماطر المطرفي
أكاديمي في جامعة الملك عبد العزيز بجدة
يتكرر التعاطي مع «نقد الخطاب الديني» في أطروحات الفكر الحداثي، وهذا التكرار إنما يعبر عن رؤى كلية متشابهة وإن اختلفت تفاصيلها، وربما كان هذا التشابه، بسبب المرجعية الفكرية التي ينهل منها هذا الخطاب، وفي هذا السياق تأتي قراءة الأستاذ سعيد السريحي للخطاب الديني، والتي بدا فيه ناقما وبشدة على هذا الخطاب، مما أفقده كثيرا من التوازن أثناء معالجة مثل هذا الموضوع، وهو ما جره إلى مجموعة من الإشكالات العلمية والمنهجية، بداية من إشكالية عدم التجانس بين عنوان المقال وبين مضمونه، فالعنوان يتحدث عن (الخطاب)، والمضمون يتحدث في مجمله عن (أصحاب الخطاب) والتداخل بين الخطاب وأصحابه لا يبرر علميا عدم الفصل بينهما أثناء البحث والمعالجة، لأن الحديث عن الخطاب يعني: النفاذ إلى مناقشة الأسس المنهجية التي يبني عليها أصحاب هذا الخطاب مواقفه، أي أن الحديث عن (الخطاب) سيجبر صاحبه إلى دخول دائرة البحث العلمي في عدة قضايا أهمها: بيان الأسس المنهجية التي يبني عليها الخطاب مقولاته. وذكر الأدلة العلمية - لا الذاتية - لنقد هذه الأسس، ثم يقيم البديل المناسب عن هذا الخطاب، وهو ما لم يتعرض له مقال الكاتب، وأما الحديث عن (أصحاب الخطاب) فقد لا يشكل عند كاتبه شيئا من العناء، لأنه يمكنه التحدث عنه بلغة لا تتطلب قدرا كبيرا من البحث، بل أقصى ما يمكن: أنها تدخل في دائرة (الجدل الصحفي)؛ الخيار الذي يخدم الصحافة، لكنه لا يخدم الوسط العلمي.
إقصائية الخطاب
وحديث الأستاذ عن (الخطاب الديني) حديث يأخذ صفة العموم، وكنت أحسبه يتحدث عن فئة معينة من أصحاب هذا الخطاب، فإذا به في منتصف مقاله يهاجم حتى أصحاب التجديد فيه، لنجده في نهاية مقاله ينقل المشكلة إلى أكثر (ما يزيد على القرن)!!!.
إن إشكالية النقد الحداثي - في كثير من خطاباته - أنه لم يستوعب أن كثيرا من النقائص التي يصف بها أصحاب الخطاب الديني: قد مارسها بقدر عالٍ من الوضوح عندما ينقد الخطاب الديني، فتجده يتحدث عن إقصائية الخطاب الديني، لكنه يمارسها في الوقت ذاته مع هذا الخطاب، فهو يقصيه عندما يتهمه بعدم نزاهة مقاصده وأن الأطروحة التي يقدمونها من أجل: (أن يحقق لهم وصولهم إلى السلطة).
وأتذكر - هنا - أحد كتاب الحداثة، وهو يذكر من بين أهم منجزات هذا الفكر أنه: (أظهر لنا وعيا حقيقيا بما تقتضيه منهجية التفكير الحديث من احترام للفكر المخالف مهما تعمقت هوة الخلاف وتعارضت الرؤى والمواقف).
لكن هذا الاحترام يزول تماما في حالة واحدة، وهي عندما يتحدث عن الخطاب الديني ليعتبرهم نفس هذا الكاتب: (فقدوا كل مصداقية في فهم الحياة الراهنة).
ويتحدث هذا الفكر عن فكرة المؤامرة في (الخطاب الديني) ويبيح لنفسه ممارستها باتهامهم أن ما يقدمه هذا الخطاب: (ليس سوى محاولة للاحتفاظ، لا بمكانة الدين في المجتمع، وإنما بمكانة السلطة .. ). فالخطاب الديني، إنما يتحرك من أجل مطامع سياسية.
ويتحدث - كذلك - عن ثقافة التسامح، لكنه لا يبدي أي تسامح مع هذا الخطاب، بل يتحدث عنه بطريقة تعبوية، فهو الذي أنتج - كما يقول الأستاذ: (عصر يسود فيه التطرف والغلو وتنتشر فيه جماعات التكفير والتفجير ... )، ويتناسى كل المحاولات التي قامت بها أطياف كثيرة من أصحاب الخطاب الديني، بالوقوف أمام هذا التطرف والتفجير.
ويتحدث عن الوثوقية في الخطاب الديني، وهو يمارس نفس هذه الوثوقية أثناء نقده كما في مقال الكاتب، وهذا يبين أن كل صاحب فكر يستحيل أن يقدم فكره بدون أن يكون واثقا به مقدما له على غيره، كما يقول أحد كتابها عن هذا الفكر: (إنه يبدو واثقا من الأرضية التي يقف عليها ويتحمل مسؤولية الأخطار الابستمولوجية والاجتماعية التي يمكن أن تنجر عن خطابه ... )، وهذه الملاحظة ليست من اختصاص الخطاب الديني فحسب، بل حتى من بعض من لا ينتسب لهذا الخطاب، يقول فهمي جدعان، وهو يتحدث عن الخطاب الليبرالي: (هذا النموذج هو أيضا نموذج أحادي يعتقد أصحابه أنه النموذج الأمثل، بل النموذج الأوحد الذي يتعين الأخذ به، وأن
¥