تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[فكر (نصر أبو زيد) وموقف (الأتباع) العقلانيين! لمحمد بن عيسى الكنعان]

ـ[حاتم القرشي]ــــــــ[07 Aug 2010, 05:44 ص]ـ

فكر (نصر أبو زيد) وموقف (الأتباع) العقلانيين!

محمد بن عيسى الكنعان

في قالب رثائي يبكي (الحرية الفكرية) المسلوبة ويُذّكر ب (الأصولية الإقصائية) تحت خيمة (تكريم المفكرين في مقابر الخالدين) احتفى بعض الكتاب والإعلاميين والمثقفين بالراحل المفكر المصري الدكتور نصر حامد أبو زيد (67 عاماً) ..

الذي توفي قبل أسابيع في بلده مصر جراء إصابته بفيروس غريب بعد عودته من رحلة إلى شرق آسيا، حيث لم يستطع الأطباء تشخيصه وعلاجه، فدخل في غيبوبة حتى فاضت روحه إلى بارئها. ذلك الاحتفاء الرثائي كان في حقيقته مفارقة عجيبة في علاقة (المفكر التنويري) ب (الأتباع العقلانيين)، وهي مفارقة تبدو وكأن هؤلاء الأتباع يشيدون بالمفكر عن قناعة فكرية راسخة، ويتحسرون على وفاته باعتباره خسارة عظيمة للأمة في مشوارها النهضوي للخلاص من مأزقها الحضاري، منددين بكل من اعترض طريق مشروعه التنويري، سواءً مؤسسة دينية، أو هيئة قضائية، أو شخصيات إسلامية، كالذي حدث للدكتور نصر حامد أبو زيد عام 1993م عندما رفضت بحوثه العلمية بحجة أنها تمثل خروجاً عن الإسلام وتصل إلى حد الكفر؛ كونها تعارض صراحةً سلطة النص الديني المطلقة، لتتطور القضية إلى معركة فكرية وقضائية انتهت عام 1995م بنفي نصر أبو زيد خارج البلاد بعد التفريق بينه وبين زوجته، فغادر مصر إلى هولندا.

في ضوء ما سبق يكمن التساؤل: هل هؤلاء الأتباع بالفعل يسيرون على خطى منهجه الفكري ويؤيدون معتقداته وأطروحاته، أم هم في الواقع لا يجرؤون على تأييده لخطورة أفكاره؟ فيستترون ب (مواقف ضبابية) تتظاهر برفض الوصاية الفكرية خاصةً المرجعية الدينية، والدعوة للتفكير بعقل حر وعدم تسليم العقول للآخرين، وهم في الواقع يكرسون ل (ثقافة الجماهير التابعة) بطريقة غير مباشرة من خلال التعامل بأدوات المناهج الفكرية الغربية في دراسة قضايا العقيدة والتراث، التي لا تخضع للمقدس، أو تراعي الاعتبارات الإيمانية ومركزية المسائل الغيبية. ذلك التساؤل يمكن الإجابة عنه بكشف حالة (التأرجح) لدى هؤلاء الأتباع العقلانيين بالنسبة لفكر نصر أبو زيد، باستعراض بكائياتهم عليه وإشادتهم به، وقبل ذلك التعريف بمنهجه الفكري والإشارة إلى محور أفكاره التي قال بها في مؤلفاته، وكانت صادمة لأهل بلده والعالم الإسلامي أجمع، فكان من الطبيعي أن يحتضنه الغرب كما احتضن سلمان رشدي وتسليمه نسرين وغيرهما.

يتضح الموقف الفكري للدكتور نصر أبو زيد من خلال تعامله مع نصوص الوحي (القرآن والسنة) وفق مدرسة (التأويل العقلي) للنصوص الدينية والتاريخية التي يتبع منهجها، وهي مدرسة غربية تعرف بمصطلح (الهرمنيوطيقا) وتعود نشأتها إلى العام 1654م في الأوساط البروتستانتية متزامنة مع حركة الإصلاح الديني التي تفاعلت وتطورت إبان عصور النهضة الأوروبية. ومصطلح (الهرمنيوطيقا) يُعبّر عنه بمجموعة قواعد ومعايير واجبة التطبيق من قبل المفسر للنص الديني، بحيث يتم تأويله بطريقة خيالية ورمزية تبتعد عن المعنى الحرفي في محاولة لاكتشاف المعاني الحقيقية والخفية للنصوص، وكُتُب نصر أبو زيد شاهد حقيقي على ذلك الموقف الفكري (التنويري)، عندما يعتبر القرآن الكريم (منتجاً ثقافياً) ونصاً لغوياً يخضع الدراسة النقدية والقراءة المختلفة التي تنزع عنه قدسيته ومن ثم تلغي مرجعيته، ففي كتابه (مفهوم النص) يقول: (إن القول بأن النص منتج ثقافي يكون في هذه الحالة قضية بديهية لا تحتاج لإثبات ومع ذلك فإن هذه القضية تحتاج في ثقافتنا إلى تأكيد متواصل نأمل أن تقوم به هذه الدراسة لكن القول بأن النص منتج ثقافي يمثل بالنسبة للقرآن مرحلة التكوين والاكتمال وهي مرحلة صار النص بعدها منتجا للثقافة بمعنى أن صار هو النص المهيمن المسيطر الذي تقاس عليه النصوص الأخرى وتتحدد به مشروعيتها. إن الفارق بين المرحلتين في تاريخ النص هو الفارق بين استمداده من الثقافة وتعبيره عنها وبين إمداده للثقافة وتعبيره لها).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير