تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[إبطال القول بالصرفة (للإمام الجرجاني)]

ـ[عطاء الله الأزهري]ــــــــ[17 Jul 2010, 12:38 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

إن القول بالصرفة هو من جنس ما لا يعذر العاقل في اعتقاده .. وذلك لما يلى ..

1) لو لم يكن عجز العرب عن معارضة القرآن إلا لأنهم صرفوا عن ذلك، لكان فى ذلك وحده آية وبرهان على صدق النبي صلى الله عليه وسلم، ودليل على أنه مؤيد من ربه.

يقول الإمام " أبى بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجانىِِِ" [المتوفى سنة471ه]:

( .. لو لم يكن عجزهم عن معارضة القرآن وعن أن يأتوا بمثله، لأنه معجِز فى نفسه إلا أن أدخل عليهم العجز عنه، وصرفت هممهم وخواطرهم عن تأليف كلام مثله، وكان حالهم حال من أُعدم العلم بشيء قد كان يعلمه، وحيل بينه وبين أمر قد كان يتسع له، لكان ينبغي أن لا يتعاظَمَهم؛ ولا يكون منهم ما يدل على إكبارهم أمره، وتعجبهم منه، وعلى أنه قد بهرهم، وعظم كل العِظَم عندهم، بل كان ينبغي أن يكون الإكبار منهم والتعجب للذي دخل من العجز عليهم، ورأوه من تغير حالهم، ومن أن حيل بينهم وبين شيء قد كان عليهم سهلاً، وأن سُدََ دونهم باب كان لهم مفتوحاً، أرأيت لو أن نبيا قال لقومه: (إن آ يتى أن أضع يدي على رأسي هذه الساعة، وتمنعون كلكم من أن تستطيعوا وضع أيديكم على رؤوسكم)، وكان الأمر كما قال، ممََ يكون تعجب القوم، أمِن وضعه يده على رأسه، أم من عجزهم أن يضعوا أيديهم على رؤوسهم؟)."دلائل الإعجاز، ص390"

2) يلزم القائلين بالصرفة إثبات أن العرب كانت أشعارهم وخطبهم بعد البعثة قاصرة عما كانت قبلها.

( .. يلزم_القائلين بذلك_أن تكون العرب قد تراجعت حالها فى البلاغة والبيان، وفى جودة النظم وشرف اللفظ، وأن يكونوا قد نقصوا فى قرائحهم وأذهانهم، وعدموا الكثير مما كانوا يستطيعون، وأن تكون أشعارهم التى قالوها، والخطب التى قاموا بها، وكل كلام احتفلوا فيه، من بعد أن أوحى إلى النبى صلى الله عليه وسلم، وتحدوا إلى معارضة القرآن؛ قاصرةً عما سمع منهم من قبل ذلك القصور الشديد، وأن يكون قد ضاق عليهم فى الجملة مجال قد كان يتسع لهم، ونضبت عنهم موادُُ قد كانت تغزُر، وخذلتهم قوًى قد كانوا يصولون بها، وأن تكون أشعار شعراء النبى صل1 التى قالوها فى مدحه صل1 وفى الرد على المشركين، ناقصة متقاصرة عن شعرهم فى الجاهلية)."دلائل الإعجاز، ص611"

3) يلزم القائلين بالصرفة أن يقضوا فى النبى صلى الله عليه وسلم بما قضوا فى العرب.

( .. واعلم أنه يلزمهم أن يقضوا فى النبى صلى الله عليه وسلم بما قضوا فى العرب، من دخول النقص على فصاحتهم، وتراجع الحال بهم فى البيان، وأن تكون النبوة قد أوجبت أن يُمنع شطراً من بيانه وكثيرا مما عُرف له قبلها من شرف اللفظ وحُسن النظم. ذاك لأنهم إذا لم يقولوا ذلك، حصل منه أن يكون عليه السلام قد تلا عليهم:

{قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}

"سورة الإسراء:88" فى حال هو يستطيعُ فيها أن يجىء بمثل القرآن ويقدر عليه، ويتكلم ببعض ما يوازيه فى شرف اللفظ وعُلُو النظم. ولم يشك أحد أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن منقوصاً فى الفصاحة، بل الذى أتت به الأخبار أنه صلى الله عليه وسلم كان أفصح العرب)."دلائل الإعجاز، ص613".

4) العرب لم يقروا بالصرفة، ولم يتهموا الرسول صلى الله عليه وسلم أنه سحرهم فى هذا الجانب.

(لو أن العرب كانت منعت منزلة من الفصاحة قد كانوا عليها؛ لكان ينبغى لهم أن يعرفوا ذلك من أنفسهم، ولو عرفوه لجاء عنهم ذكر ذلك، ولكانوا قد قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم: (إنا كنا نستطيع قبل هذا الذى جئتنا به، ولكنك قد سحرتنا، واحتَلتَ فى شىء حال بيننا وبينه)، فقد نسبوه إلى السحر فى كثير من الأمور كما لا يخفى، وكان أقل ما يجب فى ذلك أن يتذاكروه فيما بينهم، ويشكوه البعض إلى البعض ويقولوا: (ما لنا قد نقصنا فى قرائحنا، وقد حدث كلول فى أذهاننا)، ففى أن لم يُرو ولم يُذكر أنه كان منهم قولٌ فى هذا المعنى، لا ما قل ولا ما كثُر، دليل على أنه قول فاسد)."دلائل الإعجاز، ص614".

5) لو كان هناك صرفة كما زعموا، لكان سياق التحدى غير الذى جاء به.

(هذا، وفى سياق آية التحدى ما يدل على فساد هذا القول. وذلك أنه لا يقال عن الشىء يُمنَعُهُ الإنسان بعد القدرة عليه، وبعد أن كان يكثُر مثلُه: (إنى قد جئتكم بما لا تقدرون على مثله ولو احتشدتم له، ودعوتم الإنس والجن إلى نُصرتكم فيه)، وإنما يقال: (إنى أُعطيتُ أن أحول بينكم وبين كلام كنتم تستطيعونه وأمنعُكم إياه، وأن أُفحِمكم عن القول البليغ، وأعدمكم اللفظ الشريف)، وما شاكل هذا .. )."دلائل الإعجاز، ص615".

ظهر مما تقدم أن القول بالصرفة، قول فى غاية البعد والتهافت، وأنه من جنس ما لا يُعذر العاقل فى اعتقاده.

والله أعلم.

والحمد لله رب العالمين.

المصدر:منتدى التوحيد ( http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=505)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير