[موت الإله فى فكر الحداثيين العرب]
ـ[احمد الفار]ــــــــ[22 Jul 2009, 12:52 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
وبعد
فقد انتهكت أوربا القداسة وتطاولت على الذات الإلهية , فكان الحصاد إلها ناقصا بل إلها ميتا
يقول فويرباخ (إن الإنسان هو الذى خلق الله على صورته ومثاله , فهو إنما يتعبد لنفسه حين يتعبد لله دون أن يدور بخلده أنه قد انتزع من نفسه خير ما فيها لكى يزيد من خصب تلك الصورة المثالية التى ابتدعها لنفسه) (1)
ومعنى هذا أن الدين فى رأى فويرباخ , إن هو إلا مجرد وهم ينسب الإنسان بمقتضاه كمالاته الخاصة إلى موجود أسمى , يظن أنه متمايز عنه عن وعيه الخاص , وتبعا لذلك فإن الله ليس إلا الإنسان المثالى , الإنسان على نحو ما ينبغى أن يكون الإنسان كما يكون (2)
ولم يقف فلاسفة التنوير عند هذا الحد بل إن الله تعالى عما يقولون علوا كبيرا , قد مات وتعفن كما أعلن نيتشة (إلى أين مضى الله؟ سأقول لكم إلى أين مضى , لقد قتلناه , أنتم وأنا أجل نحن الذين قتلناه , نحن جميعا قاتلوه ألا تشمون رائحة العفن الإلهى؟
إن الآلهة أيضا تتعفن! لقد مات الله وسيظل ميتا) (3)
هذا العفن الفكرى نقله الحداثيون العرب بحذافيره
يقول نزار قبانى:
من بعد موت الله مشنوقا
على باب المدينة
لم تبق للصلوات قيمة
لم يبق للإيمان أو للكفر قيمة
ويقول:
من أين يأتي الشعر يا قرطاجة
والله مات وعادت الأنصاب
ويقول:
حين رأيت الله
في عمّان مذبوحاً
على أيدي رجال البادية غطيت وجهي بيدي
وصحت: يا تاريخ!
هذي كربلاء الثانية
ويقول الشاعر الفلسطينى توفيق صايغ:
قلبى بحر لم يعد يمشى عليه الألم
طارد الإله من بعد, وإما قضى
احتوى جثمانه ثلاث ليال
قلبى قبر أفلت منه جثمان الإله
ويقول بدر شاكر السياب:
فنحن جميعاً أموات
أنا ومحمد والله وهذا قبرنا أنقاض مئذنة معفرة
عليها يكتب اسم محمد والله
ويقول عبد الوهاب البياتى من العراق:
رأيت الإله على المقصلة
رأيت الديوك على المزبلة
ويقول أدونيس فى قصيدة الإله الميت:
اليوم صرفت سراب السبت سراب الجمعة
اليوم طرحت قناع البيت
وبدلت إله الحجر الأعمى وإله الأيام السبعة بإله ميت
ويقول أيضا فى قصيدة موت:
نموت إن لم نخلق الآلهة
نموت إن لم نقتل الآلهة
يا ملكوت الصخرة التائهة
ويقول فى قصيدة الصخرة العاشقة:
وغدا نقتل الإله الهزيل بدم الصاعقة
ويقول فى قصيدة هذا هو اسمى:
طفل يشب وللأرض إله أعمى يموت
ورأيت الله كالشحاذ فى أرض على
ويقول فى نفس القصيدة:
سقط الخالق فى تابوته
سقط المخلوق فى تابوته
وكما أمات شعراء الحداثة الله سبحانه وتعالى , أمات فلاسفتهم أيضا الله سبحانه وتعالى , ويطول المقام لو ذكرنا موت الله عند فلاسفة الحداثة كلهم. ولنأخذ مثالا على ذلك بالجزائرى محمد أركون , ولا يخفى أن هذا الأركون له قيمة كبيرة عند الحداثيين العرب
يؤشكل أركون مفهوم الألوهية فيجعل الله تعالى مشكلة أو عائقا ضد الوصول إلى الحداثة المرجوة فيقول: ( ... فكيف نعبر عنه باللغة العربية؟ هل نقول: مشكل الله أو مشكلة الله ... ) (4) وهكذا أصبح الله مشكلة يجب حلها والتعامل معها , فكيف يتعامل معها أركون؟ لم يجد سوى نيتشه هو الذى يريحه من الله ومن مشكلته يقول أركون: (يجب علينا أن نفعل ما فعله نيتشه فى منهجية الجينيالوجيا عندما كشف عن أصل الأخلاق المسيحية) (5)
ويقرر أركون منهجية نيتشه بقوله: (إن التصور القروسطى (أى تصورنا نحن المسلمين) المظلم والقمعى عن الله والتأله قد مات , أو ينبغى أن يموت , لماذا؟ لكى يفسح المجال لتصور أكثر رحابة ومحبة وغفرانا وهكذا , محل التصور الذى يقمعنا ويسحقنا , يحل التصور الآخر الذى الذى يسامحنا ويحررنا
ويمكن القول بأن التصور الحديث لله يتجلى فى الأمل فى الإنفتاح على أفق الأمل , الأمل بالخلود الأمل بالحرية , الأمل بالعدالة , الأمل بتصالح الإنسان مع ذاته , هذا هو الله بالنسبة للعالم الحديث والتصور الحديث) (6)
وهكذا أبدلت الحداثة الله تعالى بإله جديد هو الأمل, وتخلصت من الإله القديم الذى يقمعنا
سبحانك هذا بهتان عظيم
(1) مشكلة الإنسان د. زكريا إبراهيم ص 182
(2) السابق نفس الصفحة
(3) السابق ص 187
(4) الإسلام والحداثة ص343
(5) قضايا فى نقد العقل الدينى ص 278
(6) السابق 282
ـ[الجكني]ــــــــ[22 Jul 2009, 03:35 م]ـ
لست ممن ينكر " المجاز " في لغة العرب، لكن هذا المجاز الذي في عنوان هذا المقال - موت الله، تعالى الله - أنكره أشد الإنكار، فياليت الاسم الشريف والأعظم " الله " يغيّر من عنوان المقال، مع ما في النفس من ضيق حول نشر هذه الخزعبلات في ملتقى للتفسير.
والله من وراء القصد.