تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[الرد على شبهات الملحدين والمستشرقين والمبشرين > الشبهة الأولى:هل كان عليه السلام مخا]

ـ[إبراهيم عوض]ــــــــ[08 Aug 2008, 11:24 ص]ـ

الرد على شبهات الملحدين والمستشرقين والمبشرين

الشبهة الأولى: هل كان عليه الصلاة والسلام مخادعا كذابا؟

د. إبراهيم عوض

وُوجه الرسول عليه الصلاة والسلام من قبل كثير من الخلق من أول يوم دعا فيه علانية إلى الإسلام، ولا يزال حتى يومنا هذا يُوَاجَه، بالتكذيب. وقد سجل القرآن في أكثر من موضع هذا الاتهام الذي رماه به مشركو قومه وردده النصارى واليهود. أما بالنسبة لخارج المحيط العربي فيقرر «شارل لودي» أن حكم الرومان عليه كان شديد القسوة، إذ اتهموه بأنه استولى على أموال خديجة وماشيتها، ولما افتضح أنه مصاب بالصرع أراد أن يواسيها، فزعم لها أن جبريل ينزل عليه بالوحي من السماء (1). وإذ غضضنا الآن البصر عن تهمة الصرع (لأننا سنعالجها مع غيرها من الاتهامات التي تشكك في صحته الجسدية أو النفسية والعقلية في فصل لاحق) تتبقى أمامنا تهمة الكذب واضحة لا تحتمل لبسًا. وليس الكُتَّاب الرومانيون القدماء هم وحدهم من بين الغربيين الذين يرمون الرسول عليه الصلاة والسلام بهذه التهمة، فإن طائفة كبيرة من المستشرقين، نصاراهم ويهودهم وعقلانييهم، يدعون أن القرآن هو اختراع محمدي نسبه «محمد» إلى الله (2)، وإن دفع بعضهم عن رسولنا هذه التهمة، كما فعل الكاتب البريطاني «توماس كارلايل» حين ساق ما زعمه «براديه» من أن القرآن طائفة من الأخاديع لفقها «محمد» ليسوِّغ ما اقترفه لبلوغ مطامعه (3). وقد بنى «كارلايل» دفاعه على أساس أن الإسلام لو كان دينا كاذبا لما استطاع أن يعيش طيلة هذه القرون تعتنقه كل هذه الملايين (4)، وكذلك على أساس أن محمدا لم يحاول، وهو في حرارة الشباب، أن يحدث ضجة جريا وراء الشهرة بل عاش مع زوجته عيشة هادئة (5)، أما «ألفريد جيوم» فإنه ينفي الكذب والادعاء عن الرسول، إذ يطبق عليه المقياس الذي يقاس به صدق النبي عند بني إسرائيل، وهو يتلخص في القول الثائر الملتهب، والشعر (6)، والإنشغال التام بالله والقضايا الأخلاقية، والشعور بأن ثمة ضغطا يسوقه سوقا لإعلان كلمة الله، فيجد أن هذه العلامات جميعها ظاهرة في حالة الرسول «محمد» عليه الصلاة والسلام. كما يرى في شكوكه عليه الصلاة والسلام في مصدر الوحي في أول الدعوة ومحاولته الانتحار دليلا قويا على صدقه، مقارنا إياه في هذا بالنبي أرميا (7). وبالمثل يؤكد «جب» أن محمدا كان مقتنعا تماما بأنه مبعوث من لدن رب العالمين (8).

وإلى جانب هذين الرأيين المتقابلين ثمة رأي ثالث يفرقُ بين الدعوة في مكة والدعوة في المدينة: ففي المرحلة الأولى كان «محمد» مخلصًا صادقًا: يتضح صدقه وإخلاصه في تحمسه الشديد، وتحمله المشاق، وإقناعه الأغنياء من أتباعه بالتواضع للفقراء والجلوس معهم. . . إلخ. أما في الثانية فقد أعماه نجاحه لدرجة أنه أخذ يخترع الوحي تلو الوحي لتحقيق شهواته وتسويغ انتهازيته. وهذا هو السبب، في نظر أصحاب هذا الرأي، في أن القرآن مليء بالمتناقضات والمزاعم الكاذبة (9).

والمقصود بالمزاعم الكاذبة هنا أن للرسول الحق في الاحتفاظ بأكثر من أربع زوجات، وأن «إبراهيم» هو الذي بنى الكعبة. . . إلخ. ومن أنصار هذا الرأي الكاتب الأمريكي الشهير «واشنجتن إرفنج»، الذي يرد على من اتهموا النبي عليه الصلاة والسلام بالزيف بأن النصف الأول من دعوته يكذب هذه التهمة، إذ ما الذي كان يبتغيه؟ أهو المال؟ لقد كان مال خديجة بين يديه، وهو من جهته لم يكن حريصا على الاستزادة منه. أهو الشرف إذن؟ لقد كان شريفًا في قومه، مُحترَما لذكائه وأمانته ومكانة أسرته، التي كان بيدها مقاليد الكعبة، فلِمَ يغامر بفقدان هذا كله في وقت كان يصعب عليه فيه بناء ثروته من جديد، وهو الذي فقد ماله كما فقد أصدقاؤه مالهم في سبيل الدعوة؟ ثم يمضي متسائلًا: لماذا يتحمل كل ألوان الاضطهاد إذن إذا كان نبيا زائفًا؟ (10) أما في المدينة فقد تغير، في نظر الكاتب الأمريكي، هذا كله، إذ بعد أن كان كل همه عليه الصلاة والسلام أن يجد من يحميه إذا به يرى أتباعه يقدسونه ويرى حوله جموعا بها رغبة إلى الحرب. عندئذ ثار طموحه الدنيوي وأصبح القرآن يسوغ له كل شيء، ووقع في كثير من المتناقضات.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير