تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[قصة الغرانيق وفك الارتباطات]

ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[31 Aug 2009, 12:03 ص]ـ

ملخص البحث:

يتناول هذا البحث قصة الغرانيق، وهي أكبر أكذوبة في الطعن في القرآن والنبوة، وتذهب هذه الأكذوبة إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مدح الأصنام وعظّمها وأجرى الشيطان على لسانه ذلك، وخطورة هذه القصة القديمة المتجددة ليست في مضمونها فقد قيل في القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم ما هو مثلها وما هو أكبر منها من الأكاذيب المتهافتة؛ فرد الله قائليها على أعقابهم خائبين، وهذه القصة كثيرة الأبعاد متشابكة الجوانب؛ إذ رُبطت بآيات من سورة الحج والنجم والإسراء والزمر والقصص وطه ربطاً شديدا كما ربطت برجوع المهاجرين من الحبشة، وليس ذلك فحسب بل ذهب بعضهم إلى أنها كانت آيات منسوخة التلاوة. وقد ذهب كثير من العلماء إلى أن الروايات التي تحمل قصة الغرانيق هذه روايات واهية ومرسلة لا أصل لها، وذهب ابن حجر إلى أن لها أصلاً؛ فكثرة الطرق – عنده - تقويها، ولكنها حسب رأيه تحتاج إلى تأويل مختلف، وقد ذهب الألباني - في الرد عليه - إلى أن قاعدة تقوية المراسيل بكثرة الطرق ليست على إطلاقها، وليست مضطردة. وهذا البحث يسعى للرد على هذه القصة ويحاول فك الارتباط بينها وبين الآيات والأحداث الثابتة التي رُبطت بها. وتنقسم آراء العلماء في هذه القصة على قسمين:

-قسم يرى أنه لا أصل لهذه القصة ولا دليل عليها؛ وبهذا الرأي قال أبو بكر بن العربي والقاضي عياض وفخر الدين الرازي والقرطبي والبدر العيني والألوسي والإمام محمد عبده والألباني.

- قسم يرى أن هذه القصة لها أصل، وقد وقعت بصورة أخرى غير التي جاءت بها الروايات؛ وبهذا الرأي يقول ابن حجر.

ورغم أن الباحث يميل ميلا شديدا للرأي الأول؛ إلا أنه يرى أن القصة لو وقعت فرضا؛ فهي متممة لما جاء في الروايات الصحيحة التي تذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قد سجد في سورة النجم وسجد معه المشركون؛ حتى إذا خرج هولاء المشركون من مجلس النبي صلى الله عليه وسلم وقعت بينهم وبين "شيطانهم" عبارة الغرانيق هذه لتبرير سجودهم مع النبي صلى الله عليه وسلم وهذه العبارة لا علاقة لها بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا بمجلسه ولا بآية من آيات القرآن إطلاقا

ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[31 Aug 2009, 12:04 ص]ـ

توطئة:-

ما من أكذوبة من الأكاذيب ولا أسطورة من الأساطير في الطعن في القرآن والنبوة – قد بلغت من الإحكام والإتقان ما بلغت أكذوبة الغرانيق هذه، إذ كانت أكذوبة ذات جوانب متعددة وأبعاد مختلفة؛ حيث استخدم فيها صانعوها بعض الأحاديث الصحيحة فزادوا فيها، وبعض الآيات القرآنية ففسروها بها، وبعض الأقوال الجاهلية فأخذوا منها ما يمكن أن يحقق غرضهم في ذلك، فلما استوت الفرية على سوقها وانتصب قوامها وقوي عودها جعلوا لها من الروايات المصنوعة ما يشيعها؛ فجاءت هذه الروايات ضعيفة هزيلة ومرسلة منقطعة، والرواية المرسلة يخفى حالها؛ لأن الساقط منها مجهول، فالتقط هذه الروايات من المفسرين والمؤرخين والقصّاص من لا يبالون بما أخذوا صحيحاً كان أو سقيماً ضعيفاً كان أو قوياً.

وممن التقط روايات هذه القصة الإمام ابن جرير الطبري، والطبري على سعة علمه وعلو مكانته كان لا يبالى في الأخذ بالروايات أيا كان حالها في كتبه؛ وكأنما أراد جمع العلم لا نقده وفحصه وتمحيصه؛ يقول: (فما يكون في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه أو يستشنعه سامعه من أجل أنه لم يعرف له وجها في الصحة ولا معنى في الحقيقة؛ فليعلم أنه لم يؤت في ذلك من قبلنا، وإنما أتي من قبل بعض ناقليه إلينا، وأنا إنما أدينا ذلك على نحو ما أدي إلينا)

وقد أخذ هذه الروايات بعض المؤرخين وكتاب السير والمغازي كابن سعد في الطبقات الكبرى وابن الأثير في الكامل والطبري في تاريخه، وقد رفض ابن كثير رفضاً صريحاً إيراد هذه القصة في سيرته

وقصة الغرانيق الشوهاء هذه قد كانت مثار لغط طويل عند الملحدين والمستشرقين وغيرهم. والغرانيق نوع من الطير، وهي الكلمة التي وردت في تلك العبارة التي قيل إن الشيطان تكلم بها على لسان النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا سميت تلك العبارة عند المستشرقين وغيرهم بـ (الآيات الشيطانية) وقد سمى بها سلمان رشدي روايته التي أثارت المسلمون، ولم يعتن المستشرقون بشبهة من الشبه ولا بمطعن من المطاعن اعتناءهم بهذه الشبهة، إذ أن الهدف المركزي والغاية العليا عندهم هي إثبات أن النبي صلى الله عليه وسلم قد افترى هذا القرآن من تلقاء نفسه؛ فغيّره وبدّله حسب ما يشتهي وحسب ما يواجه من ظروف وملابسات.

وقد ذهب بركلمان إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد اعترف في أول رسالته بآلهة الكعبة الثلاثة ثم تراجع، وذهب مونتجمري وات إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد رتّل تلك العبارات باعتبارها جزءاً من القرآن ثم أعلن أنها ليست جزءاً منه، وذهب هذا المذهب كثير من المستشرقين نحو الفريد هيوم ووليم مويير وماكسيم رودنسون وشاخت وبوهل وغيرهم.

ولم تقل فرقة من فرقة الإسلام ولا طائفة من طوائفه أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قرأ تلك العبارات مادحاً بها الأصنام إلا الكرامية الذين ذهبوا إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخطأ في تبليغ هذه العبارة ولم يكن له أن يبلغها، أما طوائف الإسلام الأخرى فلم تقبلها على تلك الشاكلة إطلاقاً؛ وإن استغلتها بعض الفرق في الهجوم على بعضها؛ إذ زعم الشيعة الروافض أن ذلك من خزعبلات أهل السنة وقد رواها البخاري حسب زعمهم، وهذا كذب محض وافتراء خالص.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير