[دعوى نصرانية مكرورة]
ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[26 Feb 2009, 06:43 م]ـ
لما تميز القرآن العظيم بالبلاغة العالية على كافة النظوم فقد رماه بعض النصارى - حسدا من عند أنفسهم - بما ليس فيه؛ فادعى بعضهم أن القرآن الكريم قد اقتبس من شعر امرىء القيس عدة فقرات وضمنها في آياته وسوره، ولم يحصل هذا الأمر في آية أو آيتين، بل هي عدة آيات وإذا كان الأمر كذلك – حسب قولهم - لم يكن لما يدندن حوله المسلمون من بلاغة القرآن وإعجازه مكان أو حقيقة، بل القرآن في ذلك معتمد على بلاغة من سبقه من فحول الشعراء وأساطين اللغة، وقد تكلم امرؤ القيس بالقرآن قبل أن ينزل، فقال:
يتمنى المرء في الصيف الشتاء
حتى إذا جاء الشتاء أنكره
فهو لا يرضى بحال واحد
(قتل الإنسان ما أكفره)
وقال:
(إذا زلزلت الأرض زلزالها) (وأخرجت الأرض أثقالها)
تقوم الأنام على رسلها ليوم الحساب ترى حالها
يحاسبها ملك عادل فإما عليها وإما لها
و قال:
(دنت الساعة وانشق القمر) غزال صاد قلبي ونفر
مر يوم العيد في زينة فرماني فتعاطى فعقر
بسهام من لحاظ فاتك فر عني كهشيم المحتظر
وإذا ما غاب عني ساع كانت الساعة أدهى وأمر
ونرد عليه بقولنا:
- ليس هنالك من علماء الإسلام من نسب هذه الأبيات إلى امرئ القيس إلا المناوي عرضا في كتابه "فيض القدير" وهو من العلماء المتأخرين ت 1031 هـ وكان من علماء الحديث، وهو في ذلك كان يشرح حديثا ضعيف الإسناد عن امرئ القيس وأنه "حامل لواء الشعر إلى النار "ثم ذكر المناوي أنه امرئ القيس أول من قصد القصائد وأنه من أئمة الشعراء وذكر بعض الأخبار الواهية مثل أن أول من نطق بالشعر آدم ثم استطرد وقال بلا دليل "وقد تكلم امرؤ القيس بالقرآن قبل أن ينزل" وتبدو أن معرفته بذلك قليلة جدا وكتاب المناوي هذا كان في شرح الحديث لا الشعر ونقده، وكل ما نقله المناوي عن امري القيس إنما كانت أقوالاً نقلها أو سمعها
- يبدو أن المناوي لا يحفظ الشعر ولا يعرفه خاصة شعر امرئ القيس؛ إذ تراه في فيض القدير ينثر شعر امرئ القيس نثرا ولا يورده أبياتا منظومة؛ فيقول مثلا "إن أشرف الألوان الأبيض المشرب بحمرة أو صفرة وأن المشرب بصفرة هو لون أهل الجنة والعرب تتمدح به في الدنيا كما في لامية امرئ القيس" يقصد معلقته ومعنى البيت الذي يقصده
كبكر المقاناة البياض بصفرة غذاها نمير الماء غير المحلل
ولم يورده
ويقول أيضا "الناس يستحسنون لامرئ القيس قيد الأوابد في وصف فرسه يريد أن الأوابد من الوحش إذا رأته أيست أن تنجو منه فتكون الفرس كالقيد لها ويزعمون أنه اخترعه وابتدعه وقد اتفق في هذا الحديث (الإيمان قيد الفتك) ما هو أحسن منه من غير تعمل"
يقصد
وقد أغتدي والطير في وكناتها بمنجرد قيد الأوابد هيكل
ولم يورد هذا البيت أيضا بل أورد معناه، ثم إن من المعلوم أن شعر امرئ القيس لا تعمل فيه ولا تكلف بخلاف تلميح المناوي، وهذه أحكام من لا يعرف الشعر وليس ذلك فحسب بل تجد المناوي في فيض القدير أحيانا يأتي بأنصاف أبيات ولا ينسبها لأصحابها وأحيانا ينقلها خطأ نحو " وكنه الموت ليس له دواء، ولك المرباع منها والصفايا" ونحو ذلك
ولعله يقصد قول النابغة
وكل جراحةٍ توسى فتبرا ولا يبرا إذا جرح الهجاء
يؤثر في القلوب له كلومٌ كداء الموت ليس له دواء
وبالشطر الثاني لعله يقصد قول ابن عنمة الضبي
إلى ميعاد أرعن مكفهر تضمر في جوانبه الخيول
لك المرباع منها والصفايا وحكمك والنشيطة والفضول
. وأحيانا يأتي بأبيات مشهورة جدا ولا ينسبها لأصحابها بل يقول " قال الشاعر " نحو بيت زهير
: لسان الفتى نصف فؤاده فلم يبق إلا صورة اللحم والدم
وبيت أبي ذؤيب الهذليّ
والنفس راغبة إذا رغبتها وإذا ترد إلى قليل تقنع
¥