3 - أتفق مع الدكتور محمد عابد الجابري بخصوص ملاحظته حول عدم تقدم علم التفسير؛ ذلك أن هذا العلم حصل له ما حصل لباقي العلوم الإسلامية وربما بشكل أكثر. فإذا كان العقل المسلم قد توقف عن الإبداع أو تقلص عطاؤه وإبداعه بعد منتصف القرن الرابع الهجري وغلبت سطوة السيف فإن علم التفسير نال نصيبه الأوفر من ذلك، مع إضافة عدم جرأة الكثيرين على الإقدام على مناقشة آراء أسلافهم بخصوص فهم النص القرآني حتى إننا نجد التفاسير يشبه بعضها بعضا، وأكثر من هذا، كان تفسير كتاب الله تعالى في كثير من التفاصيل مرتبطا بظروف المفسر وأحوال عصره، ومثل هذا التفسير / الفهم لن يصلح بالطبع للعصور اللاحقة ... من هنا، فغن إعادة النظر في المادة التفسيرية التي خلفها علماؤنا والبناء عليها وتطويرها مطلب ملح إن نحن أردنا تجديد هذا العلم وإثبات خلود القرآن الكريم وتحقيق حاكميته.
أما الخطة التي اقترحها الدكتور الجابري في كتابه هذا كمنهج لتجديد التفسير والفهم فتبقى، في نظري، قاصرة عن بلوغ هذا الهدف؛ إذ كيف يمكن لاستعمال "علامات الإفهام" أن يشكل جزءا أساسيا لتفسير واضح في غياب الإفهام نفسه؟ فهو يرى "أن المكتبة العربية الإسلامية تفتقر إلى تفسير يستفيد في عملية "الفهم" من جميع التفاسير السابقة، ولكنه يعتمد ترتيب النزول، ويسلك طريقة في "الإفهام" ألصق بالطريقة التي تعتمد اليوم في الكتابة مع الاستفادة مما يقدمه الحاسوب من إمكانيات على مستوى التنظيم والتصنيف واستعمال العلامات إلخ".
إن ما اقترحه الدكتور الجابري أمر محمد ومطلوب، ولكنه مكمل ليس إلا، وأقترح هنا أمورا أراها أساسية في الفهم لم أجد لها أثرا واضحا في الكتاب مثل:
- مراجعة نقدية لتراث علوم القرآن وتنقيته مما لا يتفق وقدسية النص القرآني.
- ومراجعة القواعد التفسيرية في تراث علم التفسير.
- وسبر أغوار النظريات المعاصرة في الفهم والتفسير.
- وبحث اللسانيات والعلوم الاجتماعية الحديثة.
4 - وأخيرا، يبقى كتاب الدكتور محمد عابد الجابري "فهم القرآن الحكيم" بحاجة إلى دراسة متأنية لاستنكاه مقاصده، خاصة وأنه يثير كثيرا من التساؤلات والإشكالات باعثها القلق الفلسفي يستفاد منها ولا شك، ربما عدت إليها في وقت لاحق بإذن الله تعالى.
ـ[أحمد الطعان]ــــــــ[14 Apr 2008, 05:38 م]ـ
شكراً لك أخي أحمد بوعود على هذا العرض المفيد ...
والحقيقة أنني حتى الآن لم أقرأ كتاب الجابري الأول" مسار الكون والتكوين ... " رغم سماعي عنه الكثير ما بين ممجد ومفند ...
ولكن لا بد من الاطلاع والعودة إن شاء الله عز وجل ...
ـ[محمد كالو]ــــــــ[20 Apr 2008, 03:13 م]ـ
دائماً يحاول الجابري أن يبحث في مسار التنزيل وأن ينظر إلى الآية في سياقها وسباقها ولا يقتطعها من بين الآيات الملتفة حولها حتى يكون المعنى أوضح، وخالياً من أي تشويش.
ولا شك أن السياق القرآني له دوره في تحديد دلالات الآيات وألفاظ تلك الآيات، حتى أنه يمكن من خلال السياق إستكشاف خطأ من يتلو القرآن في حال خطئه، ومثاله أن أحد العرب سمع رجلاً يتلو آيةً هكذا «والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من اللَّه واللَّه غفور رحيم».
فقال الأعرابي أخطأت، قال: وكيف؟
قال: إن المغفرة والرحمة لا تناسبان مع قطع يد السارق.
فتذكّر الرجل الآية وقال: «واللَّه عزيز حكيم» فقال الأعرابي نعم، بعزّته أخذها، وبحكمته قطعها.
ومما يؤسف له أن كثيراً من الناس يقتطعون الآية أو جزء الآية من سياقها ليستفيدوا ما يشاؤون من معاني ومضامين تنسجم مع ما يرغبون كما في قوله تعالى:
«ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة» حيث اتخذها البعض مبرراً للتهرب من المسؤوليات الملقاة على عواتقهم وفراراً من أدنى تضحيات يقدمونها في سبيل هدف أسمى مع أن الآية جاءت في سياق آيات تحث المؤمنين على الإنفاق في سبيل اللَّه تعالى كجهاد مالي يضاف إلى الجهاد بالأبدان والأرواح والأنفس، من خلال تجهيز الغزاة، وأن عدم الإنفاق والبخل يؤدي إلى إضعاف جبهة المسلمين وبالتالي هلاكهم وإبادتهم قال تعال: « ... وأنفقوا في سبيل اللَّه ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن اللَّه يحب المحسينين» فالتهلكة يقصد بها هنا ما يترتب على عدم الإنفاق.