ويوضح ماركس أن إرفاق النصوص التراثية من العصور السابقة على القرآن كالنصوص المسيحية واليهودية لا يهدف إطلاقا إلى إرجاع بعض الآيات القرآنية إلى أصل سابق عليها، وإنما يهدف إلى وضع النص القرآني في السياق الثقافي والتاريخي الذي ظهر فيه، مما يلقي الضوء على الحالة الذهنية لمتلقيه وطبيعة نظرتهم للعالم في ذلك الوقت، حيث إن المشروع لا يضع شخصية النبي محمد في صدارة اهتمامه وإنما يركز على المتلقين للقرآن، الذين نشئوا في ظل الأفكار والنصوص التي كانت منتشرة آنذاك.
ويطمح ماركس أن تنتهي المرحلة الأولى من المشروع قريبا؛ ليكون بنك المعلومات جاهزا نهاية العام القادم، وسيكون بالإمكان الاطلاع عليه عبر شبكة الإنترنت الخاصة بالأكاديمية www.bbaw.de.
وحاليا يعكف فريق البحث على الاطلاع على القراءات المختلفة وتقييمها، كما يقوم بحصر المخطوطات والنصوص المتفرقة بين المكتبات والمتاحف لجمع وتوثيق هذه النصوص التي انتقلت كتابيا وشفهيا، ساعيا لمعرفة تاريخ كتابتها حتى يتم تحديد أي النصوص أقدم، على أساس بحثي علمي، بحسب قول ماركس.
ويرى ماركس أن المشروع حصد ثناء كبيرا عند تقديمه في المغرب وإيران وتركيا، لذلك لا يعتقد بأنه سيثير غضب الإسلام الأصولي الذي لا يؤمن بتاريخية القرآن -حسب تعبيره-.
ويهدف المشروع أساسا إلى توثيق التراث الإسلامي، مضيفا أن وضع النص القرآني في سياقه التاريخي سيمكننا من التعرف على الطريقة التي لمس بها أسئلة عصره واكتشاف المحيط التي نزلت فيه، وكيف استقبل الناس النص في العصور القديمة، مشيرا إلى أنهم يبحثون في المشروع على الأرشيف القديم المفقود الذي يضم المخطوطات والنصوص التي انتقلت بصورة مكتوبة وصورة شفهية، بالإضافة للبحث عن الكتب المنسية المتعلقة بالقرآن، وذلك لنتمكن من رؤية القرآن في سياق التاريخ البشري.
إحضار القرآن إلى أوروبا
فالمرحلة الأولى للمشروع سوف تحشد وتجمع كل ما يتعلق بالقرآن، مثل النسخة التي عثر عليها في اليمن في السبعينيات وبالتحديد عام 1973، وكانت غير منقطة وبدون تشكيل.
ويؤكد ماركس أن المشروع ليس موجها إلى العالم الإسلامي في الأساس، وليست الفكرة منه توضيح معنى النص القرآني للمسلمين، وإنما يهدف المشروع بشكل رئيسي، ويمكن لمس ذلك من العنوان اللاتيني، إلى إحضار القرآن إلى أوروبا، أي إلى تقديم القرآن للقارئ أو الباحث الأوروبي بشكل مرجعي يوضح أن التقاليد الإسلامية ليست غريبة عن التقاليد المسيحية واليهودية المعروفة في أوروبا، وأن القرآن يشترك في ذلك التراث ويبني عليه شيئا جديدا، نريد أن نقول إننا سنساهم في وضع رؤية تاريخية مشتركة، فيها العادات الإسلامية والمسيحية واليهودية، بحسب قوله.
ويوضح ماركس أن المرحلة الثانية من المشروع تختص بالتحليل والتعليق على هذه النصوص والمخطوطات في إطار عملية التطور التاريخية الخاصة بها، أي أن المرحلة الثانية تهدف إلى تحليل المرحلة الأولى، في محاولة لفهم الجو الديني والحقبة التاريخية التي عاصرت انبعاث الإسلام، في محاولة إعادة تصنيعها للاقتراب من فهم أفضل للنص القرآني لتسهيل فهم القرآن على غير المسلم المعاصر.
نظرة الشك والريبة للمشروع
وعن الشك والريبة التي يمكن أن ينظر إليها بعض العرب والمسلمين للمشروع على أنها محاولة لوضع القرآن في سياق تاريخي يجعله يبدو على أنه لا يصلح للوقت الحالي، يؤكد ماركس أن هناك دائما شكا عربيا تجاه العلماء والباحثين الأجانب الذين يعملون في مجال الدراسات القرآنية، ولكننا معنا باحثون عرب مثل منصف بن عبد الجليل الباحث التونسي المسلم المتخصص في الآداب والعلوم الإنسانية.
ويشير إلى أنه من المعروف كحقيقة ثابتة للمسلمين وغيرهم أن نص القرآن ليس هو كما كتب في عصر محمد، بل إن القرآن تطور، وأبرز دليل على ذلك أن القرآن في البداية كتب دون تشكيل، ولكن مع بداية تاريخ تدوين القرآن تم إضافة علامات التشكيل إليه.
وحول هذا الأمر تقول مديرة المشروع أنجيليكا نيوفريث إن هناك دائما جدلا يصاحب مختلف المشروعات البحثية المتعلقة بالقرآن، وتسرد مثالا على ذلك بأن هناك بعض المسلمين الذين يرفضون الكثير من النسخ القرآنية المترجمة إلى لغات عالمية مختلفة؛ لأنها ليست مثل النسخة العربية.
وترى أنجيليكا أن في هذه الأمر ظلما وإجحافا لكتاب عظيم مثل القرآن؛ لأنه لو نظرنا للقرآن فسنجد بصورة واضحة البعد الجمالي فيه، وسنرى أنه كان دائما جزء من توصيله وكيفية استقبال الناس له، وما زال كذلك، فالقرآن نص متعدد الوسائط الإعلامية، على حد قولها.
وأشارت إلى بعض الترجمات التي أسهمت في فهم أفضل للقرآن لدى الغرب، وحازت على ثناء بعض المسلمين مثل الترجمة التي ظهرت في أوائل القرن الـ19 للشاعر والمترجم الألماني فردريش روكيرت وكانت ناجحة؛ لأنها أوصلت القرآن بطريقة شعرية جمالية، بينما ترجمة رودي باريت وهانس زيركر معروفة أكثر في الأوساط الأكاديمية العلمية؛ لأنها تقصر النص على جانبه المتواصل أي الذي لا يرتبط بخطة، بل يتنقل من موضوع أو فكرة إلى أخرى دون خطة، وهذا ما يخيف القارئ الغربي الذي ليس لديه أي اهتمام بالأمور العلمية الخاصة بالجدل الديني.
وعبرت عن أن الجدل والنقد مصاحب لأي مشروع بحثي وعلمي، ولكنها ترى أن الأهم الآن إحضار القرآن إلى أوروبا والمساهمة في تقريب القرآن لغير المسلمين على أسس علمية بحثية واضحة.
عن إسلم أون لاين