قال هذا الطبيب إنه لما قرأ هذا الكلام قال في نفسه إنه لم يكن من الممكن لبشر أن يعرف هذه الحقائق بالوسائل البشرية في الزمن الذي عاش فيه محمد صلى الله عليه وسلم. فلا بد إذن أن يكون محمد قد تلقاها من مصدر غير بشري، من الله تعالى. يقول ولذلك أسلمت.
ثالثاً: لست أدري كيف يستطيع إنسان يقرأ ولو شيئا من القرآن الكريم أن يقول بأمانة إن الدين الذي جاء به محصور في الأحكام والقيم. كيف يقول هذا وهو يقرأ في القرآن وصفا مفصلا لوقائع دنيوية وأخروية، تاريخية ومستقبلية؟ بل ربما كانت آيات الكتاب التي تقرر الحقائق أكثر من تلك التي تحكم وتقوم. لكن أخباره صادقة وأحكامه عادلة:} وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ {(الأنعام: 115)
رابعاً: الدعاوى التي يقوم على صحتها دليل عقلي وحسي هي حقائق يقبلها الدين ويذم من ينكرها. قال تعالى:} وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ {(الأنعام: 7)
وعليه فإنه من المستحيل عقلا أن يكون هنالك تناقض بين حقائق العلوم التجريبية (سينس) القاطعة، وحقائق الدين القاطعة. وأما إذا حدث خلاف بين ما ينسب إلى الدين وما ينسب إلى العقل أو العلم التجريبي في أمر ما فالأمر فيه كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية، أنه لا بد إما أن يكون أحدهما قطعيا والآخر ظنيا، وفي هذه الحال يقدم القطعي أيا كان، وإما أن يكونا كلاهما ظنيين فيقدم ما كان أقوى دليلا.
خامساً: أما الكلام عن القيود على البحث العلمي فيحتاج إلى شيء من التفصيل فنقول:
• الحقائق الواقعية منها ما هو نافع ومنها ما هو ضار فلا بد إذن من تشجيع البحث في النافع ومنع البحث والتجارب في غير النافع. إن المخدرات ضارة فهل نسمح بتجارب تهدف إلى إيجاد أنواع منها أكثر تأثيرا على العقول؟
• حتى الحقائق التي لا ضرر فيها منها ما هو أكثر نفعا وما هو أقل نفعا. فإذا كانت البحوث فيها تحتاج إلى إمكانات مالية فلا بد أن يقدم ما كان أكثر نفعا على ما كان أقل. ولذلك تجد بعض الناس في الغرب يحتجون على صرف الأموال في بحوث الفضاء بينما يعاني كثير من الناس من الجوع والمرض والجهل.
• إن كل بحث علمي لا بد له من أن يتقيد بما اكتشف من حقائق تتعلق بمجاله. إن العلماء لا يبدأون بحوثهم من الصفر، وإلا لما تقدم العلم. وإذن فالكلام عن البحث المجرد من كل القيود هو محض خيال لا يقبله العلم التجريبي نفسه.
• لكننا نقول مع هذا نعم إن البحث العلمي سواء في الدين أو في الدنيا يحتاج إلى قدر كبير من الحرية. سادساً: قال تعالى:} وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {(النحل: 78) وإذن فكل ما قام عليه دليل من الحس أو العقل فهو مقبول شرعا. ولذلك فإنه إذا ثبتت حقيقة تجريبية فإننا لا نحتاج لقبولها إلى أن تؤيد بنص شرعي خاص بها، كما أننا نقبل الحقائق الشرعية من غير اشتراط تأييد لها بخصوصها بحقائق حسية وعقلية. إن الدين يقوم على افتراض أن المخاطب به إنسان عاقل يقبل شهادة الحس وشهادة العقل ويعرف شيئا من الحساب، ويسلم بقواعد المنطق الأساسية التي تقول مثلا إن الضدين لا يجتمعان، وأن الكلام المتناقض باطل. ولولا هذه المسلمات العقلية لما استطعنا أن نعتمد على الحس في معرفتنا لمواقيت الصلاة ودخول الأشهر، وتدبر القرآن واستعمال القياس وغير ذلك من الأمور التي تقوم على العقل والحس وهي جزء من الشرع.
المصدر موقع مجلة الإعجاز العلمي:
http://www.nooran.org/O/30/30-7.htm