تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

6/ الألفاظ القليلة مع المعاني الكثيرة تسمى في البلاغة بالإيجاز، وهذا الإيجاز تحكمه مراعاة الحال، ولأجل ذلك كان الإيجاز هو المناسبة بين الكلام والحال سواء قلّ هذا الكلام أو كثر؛ ولهذا يقول الجاحظ: (الإيجاز لا يعني قلة عدد الحروف واللفظ؛ فقد يكون الباب من الكلام من أتى عليه فيما يسع بطن طومار فقد أوجز) ومما لا شك فيه أن الشأن كل الشأن في إصابة المقادير ووقوع الكلام موقعه الأنسب اللائق، وهذه النقطة الجوهرية هي التي يكون بها الكلام مختلفاً باختلاف الحالات والمقامات، ولاشك أن من أهم خصائص القرآن الأسلوبية أنه قد جمع المعاني الكثيرة في الألفاظ اليسيرة، وقد أفرد الجاحظ لهذا الموضوع الذي هو في غاية الأهمية كتاباً قال عنه: (ولي كتاب جمعت فيه آيات من القرآن لتعرف بها فضل ما بين الإيجاز وبين الزوائد والفضول؛ فإذا قرأتها رأيت فضلها في الإيجاز والجمع للمعاني الكثيرة في الألفاظ القليلة).

7/ يقول سيد قطب في هذه الآية: (هذا هو الماء ينزل من السماء، وهذا هو النبات يمتصه ويختلط به فيمرع ويزدهر. وها هي ذي الأرض كأنها عروس مجلوة تتزين لعرس وتتبرج. وأهلها مزهوون بها، يظنون أنها بجهدهم ازدهرت، وبإرادتهم تزينت، وأنهم أصحاب الأمر فيها، لا يغيرها عليهم مغير، ولا ينازعهم فيها منازع وفي وسط هذا الخصب الممرع، وفي نشوة هذا الفرح، وفي غمرة هذا الاطمئنان الواثق أتاها أمرنا ليلا أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن، في ومضة، وفي جملة، وفي خطفة؛ وذلك مقصود في التعبير بعد الإطالة في عرض مشهد الخصب والزينة والاطمئنان. وهذه هي الدنيا التي يستغرق فيها بعض الناس ويضيعون الآخرة كلها لينالوا منها بعض المتاع. هذه هي لا أمن فيها ولا اطمئنان ولا ثبات فيها ولا استقرار، ولا يملك الناس من أمرها شيئا إلا بمقدار)

8/ إن آية الكهف التي ذكرنا سابقا تختلف طولا وتعبيرا عن هذه الآية؛ لأن السياقين يختلفان كل الاختلاف؛ فهذه الآية جاءت في سياق أن: الله لا يعجل للناس استعجالهم بالخير؛ وأن الإنسان إذا مسه الضر لجأ إلى الله؛ وإن أصابه الخير نسيه؛ والنافع والضار هو الله؛ لكن الناس يعبدون ما لا يضرهم ولا ينفعهم؛ وأن الله هو الذي ينجيهم من أهوال البحر؛ ثم أنهم يبغون في الأرض بعد نجاتهم، ثم يذكر سرعة زوال الدنيا التي لا سلام ولا اطمئنان فيها؛ وأنه يدعو إلى دار السلام، وهو يعرض السياق واصفا دنيا البشر بصورة بطيئة ثم تعقبها السرعة. أما في الكهف فالمشاهد من أولها كلها سريعة خاطفة؛ إذ جاء ذكر الدنيا بعد قصة صاحب الجنتين .. وفجأة ينقلنا السياق من مشهد النماء والازدهار إلى مشهد الدمار والبوار. ومن هيئة البطر والاستكبار إلى هيئة الندم والاستغفار، فلقد كان ما توقعه الرجل المؤمن: وأمام هذا المشهد يضرب مثلا للحياة الدنيا كلها. فإذا هي كتلك الجنة المضروبة مثلا قصيرة قصيرة، لا بقاء لها ولا قرار. وهذا المشهد يعرض قصيرا خاطفا ليلقي في النفس ظل الفناء والزوال؛ فالماء ينزل من السماء فلا يجري ولا يسيل ولكن يختلط به نبات الأرض، والنبات لا ينمو ولا ينضج، ولكنه يصبح هشيما تذروه الرياح. وما بين ثلاث جمل قصار، ينتهي شريط الحياة، ولقد استخدم النسق اللفظي في تقصير عرض المشاهد بالتعقيب الذي تدل عليه الفاء (فاختلط) فما أقصرها حياة! وما أهونها! فهل عرفت معنى البلاغة.

ـ[عمرو الشاعر]ــــــــ[11 Apr 2009, 07:33 ص]ـ

أليس من العجيب أن يطعن أي إنسان كان في بلاغة القرآن؟!!!!!!!!

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير