ونجد كذلك عن الفضيل بن عياض قوله: (ليس لنا أن نتوهم في الله كيف وكيف لأنَّ الله وصف نفسه فأبلغ فقل: (قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد* ولم يكن له كفوا أحد).
وهذا الإمام أبو جعفر الطحاوي يقول: (وتأويل كل معنى يضاف إلى الربوبية بترك التأويل ولزوم التسليم. وعليه دين المسلمين، ومن لم يتوقَّ النَّفيَ و التشبيه، زلَّ و لم يُصِب التنزيه. فإن ربنا جل و علا موصوف بصفات الوحدانية)
وقال الإمام البيهقي: (فلله عز اسمه، أسماء وصفات، وأسماؤه صفاته، وصفاته أوصافه)
والعالم أبا القاسم اللالكائي في أصول السنة ينقل عن محمد بن الحسن - صاحب أبي حنيفة رضي الله عنهما -قوله: (اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاء بها الثقات عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في صفة الرب عز وجل من غير تفسير ولا وصف ولا تشبيه، فمن فسر اليوم شيئاً من ذلك فقد خرج مما كان عليه النبي صلى الله عليم وسلم وفارق الجماعة، فإنهم لم يصفوا ولم يفسروا ولكن أفتوا بما في الكتاب والسنة ثم سكتوا).
بل قال الحافظ ابن عبد البر: (أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة, والإيمان بها, وحملها على الحقيقة لا على المجاز, إلا أنهم لا يكيفون شيئا من ذلك, ولا يحدون فيه صفة محصورة, وأما أهل البدع والجهمية والمعتزلة كلها والخوارج, فكلهم ينكرها ولا يحمل شيئا منها على الحقيقة, ويزعمون أن من أقر بها مشبه, وهم عند من أثبتها نافون للمعبود, والحق فيما قاله القائلون بما نطق به كتاب الله وسنة رسوله وهم أئمة الجماعة والحمد لله).
بل إنَّ ابن حزم نفسه الذي قال: (فلا يجوز القول بلفظ الصفات، ولا اعتقاده بل ذلك بدعة منكرة) نجده رحمه الله قد خالف كلامه السابق في كتبه الأخرى، حيث قال: (وقف العلم عند الجهل بصفات الباري عزَّ وجلَّ).
وقد جاء ذكر ابن حزم للصفات في موضع آخر صريح فقال: (وكلام الله تعالى صفة قديمة من صفاته، ولا توجد صفاته إلا به ولا تبين منه ... وكلام الله لا ينفد ولا ينقطع أبداً؛ لأن كلامه صفة من صفاته تعالى لا تنفد ولا تنقطع ولا تفارق ذاته والله عز وجل لم يزل متكلماً ليس لكلامه أول ولا آخر كما ليس لذاته لا أول ولا آخر وجميع صفاته مثل ذاته وقدرته وعلمه وكلامه ونفسه ووجهه مما وصف به نفسه في كتابه العزيز).
فهذه نصوص متواترة متتابعة قاطعة للسان كلِّ من يتقوَّل على أهل العلم، ويتطاول عليهم، فهم أعلم بالسنَّة منه، وأفقه بدين الله لكلِّ من زعم أنَّه من أهل القرآن، وأهل القرآن يتبرؤون من منطقه وقوله.
والسؤال الآن: هل كلُّ هؤلاء العلماء الكبار، والجهابذة الأخيار، كانوا يشتمون الله تعالى بقولهم وتلفظهم بصفات الله، لأنَّه على حد قول: (صلاح أبو عرفة): (من يثبت لفظ الصفات فإنَّه يعتبر شتيمة لله تعالى) فهل كان علماؤنا يشتمون الله بتلفظهم بلفظ الصفات؟!
فسبحان من شرح صدورهم، وفتح على بصيرتهم، وطبع على قلوب مخالفيهم، فأعماهم الهوى عن نيل الحق كما نالوه، ولله في خلقه شؤون!
وصدق الإمام ابن تيمية وهو يقول: (فلا تعجب من كثرة أدلة الحق وخفاء ذلك على كثيرين فإن دلائل الحق كثيرة والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم وقل لهذه العقول التي خالفت الرسول في مثل هذه الأصول: كادَها باريها، واتل قوله تعالى: {وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون} [الأحقاف: 26]).
...
وأمَّا الجواب عن قوله: (الصفات من أشد البدع والإحداث في الدين).
فأقول وبالله التوفيق: لعلَّ قائل هذا الكلام لا يدري حقيقة الكلام الذي يخرج من رأسه، فإنَّ البدعة تعريفها:ما أحدث في أمور الدين على غير مثال سابق.
وقد أثبتنا بأنَّ كلامه عارٍ عن الصِّحة، وبأنَّ أحاديث رسول الله، وأهل العلم قاطبة شاء أم أبى، جاءت على إثبات لفظ الصفات، فكان ما قاله هذا الشخص تقولاً على الله بالباطل وافتراء عليه سبحانه وتعالى، فصار قول هذا القائل بحد ذاته بدعة وإحداثاً في دين الله بما ليس فيه، فأي بدعة يدَّعيها هذا المسكين بالقول بأنَّ إثبات الصفات بدعة وإحداث في الدين؟!
¥