تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والتقسيمات، وهذه النصنيفات والتقسيمات تستلزم مصلطحات معينة لا بد من استخدامها، وإلا فماذا نسمى من يقول إن محمدا هو مؤلف القرآن، أو إنه لا يوجد إله أصلا، أو إن الجنة والنار والثواب والعقاب هى أساطير ليس لها أية حقيقة فى خارج أذهان من يعتقدون بها؟ ببساطة: من يقول بهذا فهو كافر. إلا أن الأمر ليس بهذا التحديد الصارم دائما، إذ هناك مسائل حدودية يمكن أن يكون فيها أكثر من رأى، وتقبل أكثر من تفسير. وهذه المسائل الحدودية يصعب إصدار حكم بشأنها، وبخاصة إذا ما استعمل المتكلم أوالكاتب أسلوبا مراوغا فى التعبير عما فى نفسه، فتراه لا يحسم الكلام بل يصوغه صياغة لفافة دوارة حتى إذا ما آخذتَه على هذه النقطة أو تلك انبرى لك مؤكدا أنه لا يقصد ما فهمتَه. ولكن الصبر على التحليل والتفكيك والتركيب وما إلى ذلك من أدوات البحث ومناهجه يمكن أن تفيد فى الخروج من متاهة المراوغة التى يصطنعها بعض الكتاب، وإن ظل الأمر دائما غير حاسم تمام الحسم. وفى هذا السياق نذكّر بما قاله بعض علماء السلف من أننا إذا قرأنا أو سمعنا مقالة تحتمل الكفر من تسعة وتسعين وجها، والإيمان من وجه واحد فينبغى حملها على محمل الإيمان. وهو ما يجب أن يأخذ به المسلمون، أو على الأقل: يجب أن يكونوا على ذكر منه فلا يندفعوا مع التكفير، وبالذات إذا أكد الشخص المعنىّ أنه مسلم يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله مما يحفظه المراوغون أيضا ويرددونه فى مثل تلك الظروف للخروج من المأزق. ومع هذا نقول كما قال النبى عليه الصلاة والسلام لصحابى اتهم رجلا بعدم الإيمان: هلاّ شققتَ عن قلبه؟ يقصد، صلى الله عليه وسلم، أنه ليس من صلاحيتنا محاولة التدسس إلى أفئدة الآخرين والتلصص على ضمائرهم ما داموا يعلنون الإسلام حتى لو لم يكونوا مسلمين فى أعماق قلوبهم، إذ إن الكشف عما تكنه تلك القلوب ليس من وظيفتنا. لكن هذا يختلف عن تصدينا لأفكار الآخرين وكلامهم المكتوب وتحليلنا له واجتهادنا فى فهمه والحكم عليه دون الحكم على صاحبه ما دام لم يقل شيئا واضحا قاطعا من الكفر. وحتى هنا ليس من صلاحيتنا إكراهه على غير ما يؤمن به. إنما هو فكر إزاء فكر، والسلام.

ننتهى من هذا إلى أن التكفير مفهوم من المفاهيم لا يمكن أن يخلو منه أى دين، إذ معناه أن فلانا أو علانا لا يؤمن بهذا الدين. وهل هناك شك فى أنه ما من دين إلا ويرفضه الملايين بل عشرات الملايين بل مئاتها؟ فكيف نصنف هؤلاء الرافضين؟ إنهم كفرة بهذا الدين، مثلما يقول الماركسيون عن المتدينين: الظلاميون والرجعيون والمتخلفون، ويصفون أنفسهم بالتنويريين والتقدميين، وكما تقول أمريكا والدول الاستعمارية عمن يدافعون عن بلادهم: إرهابيون، وتصف نفسها بقوى التقدم والتحرر ... إلخ. وفى داخل المذهب الشيوعى كانت هناك اتهامات متبادلة بين شيوعيى الصين والاتحاد السوفييتى ويوغوسلافيا وألبانيا. وهذه الأخيرة لم يكن يعجبها أحد، فكانت ترمى الجميع بالانحراف وترى نفسها الدولة الشيوعية الحقيقية الوحيدة. ومنذ سنوات صدر كتاب فى أمريكا يقول بنهاية التاريخ وأن الحضارة الغربية ستبقى هى الحضارة الصحيحة الوحيدة إلى الأبد.

وهنا نسمع بعض القوم يقولون لمن ينبرى للرد على ما يراه مسيئا للدين أو مخالفا له: وهل خَوَّلك أحد للحديث باسم الله؟ وطبعا لم يخَوِّل أحد أحدا، بل دفعه ضميره واستفزته غيرته على دينه مثلما تستفز الغيرةُ كلَّ مؤمن بعقيدة أو مذهب إلى وقوف هذا الموقف حين يستدعى الأمر ذلك، فلا يجد من يقول له: ومن الذى خَوّلك الحديث باسم الشيوعية أو اللينينية أو التروتسكية أو النازية أو الوجودية أو اللاأدرية أو الوضعية المنطقية أو الرأسمالية أو الليبرالية أو الناصرية أو التكعيبية أو التبقيعية أو البنيوية أو التفكيكية ... إلخ؟ ولا يوجد عاقل يزعم أو يعتقد أنه عند قيامه بالدفاع عن الإسلام إنما يتحدث باسم الله، إذ لا يعدو الأمر أن يكون اجتهادا من المدافع يعبر فيه عن رأيه هو وفكره هو وفهمه هو، ويتحدث فيه عن نفسه هو لا عن الله ولا عن الرسول. وقد يكون اجتهاده مصيبا، وقد يكون مخطئا. ويستطيع الآخرون أن يناقشونا فيما نقول، فنقوم نحن بتوضيح رأينا ونرد عليهم، فيردون هم بدورهم، ونستطيع نحن بدورنا أن نرد على رد الرد ... وهكذا دواليك إلى أن نصل إلى شىء نتفق عليه أو

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير