تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كذلك لا دخل لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: "أنتم أعلم بشؤون دنياكم" فيما يريد نصر أبو زيد تقريره من أن الرسول لا يشرّع بسنته شيئا. ذلك أن المقصود بشؤون الدنيا هو ما لا علاقة له منها بعقيدة أو تشريع أو أخلاق، مثل الاختراعات العلمية، وكيفية بناء المساكن وخياطة الملابس وسقى الأرض وزراعة المحاصيل، وحفر الترع وإنشاء شبكات الرى، وصناعة الأدوية، ومعالجة المرض ووصف الدواء، وتنظيم العلمية التعليمية، ووضع الترتيبات الإدارية، وممارسة شؤون الحرب، وطرق تطبيق الشورى والنيابة عن الأمة. أما الحلال والحرام والأخلاق الفاضلة والمنحطة فتدخل فى التشريع. وإلا فمن الممكن لأى ممارٍ مزعجٍ الادعاء بأن القرآن لا يشرّع هو أيضا لأننا نعلم شؤون دنيانا. ثم من هؤلاء الذين رفضوا السنة مطلقا واتخذ منهم نصر أبو زيد تكأة لرد الأحاديث النبوية أن تكون مصدرا من مصادر التشريع فى الإسلام؟ هلا ذكر لنا أسماءهم ومواقفهم وردود من يأخذون بالسنة عليهم. هل نفهم من هذا أن القرآنيين كانوا موجودين منذ ذلك الوقت المبكر؟ إن صح الأمر لقد كانوا، فيما هو واضح، جماعة ضئيلة محدودة شديدة الضآلة والمحدودية حتى إن الشافعى حين ناقش منطلقاتهم لم يُسَمِّ أحدا منهم، بل كل ما ذكره هو أن أحدهم قد راجعه فى موقفه من الأحاديث وأنه قد فهّمه الأمر ففهم، كما أن البغدادى، حسبما يخبرنا فى كتابه: "أصول الدين" على ما جاء فى "فجر الإسلام"، قد عد الخوارج من المنكرين للعمل بالأحاديث (انظر أحمد أمين/ فجر الإسلام/ ط10/ دار الكتاب العربى/ بيروت/ 1969م/ 232 فصاعدا، وبخاصة 242، و"الأم" للشافعى/ تحقيق رفعت فوزي عبد المطلب/دارالوفاء/ المنصورة/3001م/ 9/ 5 وما بعدها). فهل كان على الشافعى أن يترك علمه وفهمه ويشذ عن سائر علماء الإسلام، الذين كانوا يأخذون بالسنة مصدرا للتشريع، ويتبع هذه الجماعة من النكرات المجهولى الحال حتى يرضى عنه نصر حامد أبو زيد؟ وهل الخوارج المندفعون للصدام مع الدولة والمجتمع الضيقو العطن المسارعون للتكفير رغم تحمسهم للدين قد أصبحوا الآن يمثلون الفكر العقلانى الذى ينبغى اتباعه عند أبو زيد وأمثاله؟ غريبة!

يقول د. أحمد أمين عن السنة ومكانتها فى التشريع: "وهناك نوع آخر من التشريع كان فى عهد رسول الله، وهو التشريع بالسنة. ويختلف عن الكتاب فى أن القرآن ألفاظه ومعانيه بوحى من الله، وأما السنة فألفاظها من عند الرسول. فالسنة أو أحاديث الرسول بينت كثيرا من آيات القرآن كالذى رأيتَ فى آيات الصلاة والزكاة. فالقرآن لم يبين هيئات الصلاة ولا أوقاتها، ولم يبين المقادير الواجبة فى الزكاة ولا شروطها. إنما بين ذلك النبىُّ بقوله أو فعله. كذلك حدثت حوادث وخصومات قضى فيها النبى بالحديث لا بالقرآن، فكان قضاؤه فى ذلك تشريعا. فكل ما قاله النبى أو فعله أو حدث أمامه واستحسنه كان تشريعا. ومتى ثبت ذلك عن رسول الله كان فى القوة بمنزلة القرآن. ولكن قل أن يثبت ثبوتا لا يحتمل الشك لما بينا فى كلامنا على الحديث ... وأحاديث الأحكام كثيرة وردت فى كل الأنواع التى ورد فيها القرآن قبينت مجمله، وقيدت مفصّله، وزادت أشياء كثيرة لم يذكرها القرآن. وقد عُنِىَ العلماء قديما بجمعها ورتبوها حسب الترتيب الفقهى.

هذا الأصلان: الكتاب والسنة هما مصدر التشريع فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم. ومن ذلك يتبين أن أساس القانون الإسلامى إلهىّ مصدره الله فيما نص عليه من كتاب أو حديث ليس لأية سلطةٍ حقٌّ فى مخالفتها ولا الخروج على ما ورد فى نصوصها. إنما يجتهدون فيما لم يرد فيه نص مسترشدين بما ورد فى الكتاب والسنة من قواعد كلية. وبذلك تخالف القوانين الوضعية، ففيها تكون السلطة التشريعية فى منتهى الحرية فى تفسير قانون أو تعديله أو إلغائه. وليس الشأن كذلك فى القوانين الإلهية، فحرية الفقهاء والخلفاء محدودة فى دائرة فهم نصوص القرآن، ومقدار الثقة بالحديث وعدمها لم يرد فيه كتاب ولا سنة صحيحة".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير