تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

معلوم. ولا أظننا بحاجة إلى التدليل على أن الشتاء والصيف يستغرقان ستة أشهر باعتبارهما نصف العام، على حين أن الشهور الحرم تستغرق أربعة فقط، علاوة على أن الأشهر الحرام الأربعة ليست متصلة، ومن ثم لم تكن كافية لتأمين الرحلتين على أى وضع حتى لو توافقت وشهور الرحلتين: توافقا دائما (بأن يكون التقويمان واحدا: شمسيا أو قمريا) أو كل عدة عقود. وهو ما يدل على أن كلام الباحث هو كلام منهار بطبيعته. أما الكلأ والماء فلا علاقة لتوفرهما أو لشحهما بحرب أو سلم، أو أشهر حرام أو أشهر حلال، فالأمطار لن تتوقف أو تهطل طبقا للحرب أو السلم وغير ذلك من الأسباب الاجتماعية أو السياسية، بل لأسباب مناخية طبيعية. ولكيلا أترك بابا لعُشّاق المراء أقول إن نصر أبو زيد قد أكد مرارا وتكرارا أن الحنفاء، بما فيهم النبى طبعا، كانوا يبحثون عن دين إبراهيم. فهل كان على "أجندة" إبراهيم (وأرجو أن يتسامح معى القارئ فى استخدام تلك الكلمة الأجنبية هذه المرة من نفسى)،هل كان من "أجندته" توحيد العرب؟ بس خلاص!

ويدعى د. نصر أبو زيد أيضا (ص77 من "مفهوم النص") أن كلمتى "رَبٌّ" (أى الإله) وخَلَق (بمعنى الإيجاد من العدم) كلمتان قرآنيتان جديدتان، إذ كان معنى "الرب" قبلا هو صاحب الشىء، ومعنى "خَََلََق" هو صمم الشىء وقدّره قبل تنفيذه لا أوجده من عدم بعد أن لم يكن موجودا. وهذا غير صحيح، فكلمة "رب" فى الشعر الجاهلى موجودة بهذا المعنى، كقول الأسود بن يعفر النهشلى:

أقول لما أتاني هُلْكُ سيدنا * لا يبعد الله رب الناس مسروقا

وقول الفِنْد الزّمّانى:

فَاخْسَأَوا لَيسَ لَكُم بَيتٌ عَلى * مِثلِنا اللَهُ لَهُ رَبٌّ وَجارُ

وقول حاتم الطائى:

سَقى اللَهُ رَبُّ الناسِ سَحّا وَديمَةً * جَنوبَ السَراةِ مِن مَآبٍ إِلى زُغَر

وزيد بن عمرو بن نُفَيْل:

أَرَبّا واحِدا أَم أَلفَ رَبٍّ * أَدينُ إِذا تَقَسَّمَتِ الأُمورُ

وقول شتيم بن خويلد الفزارى:

لا يُبْعِدِ اللَهُ رَبُّ العِبا دِ وَالمِلحِ ما وَلَدَت خالِدَه

وقول عبد بن مالك النعمان:

يا رَبُّ أنتَ على الأنام مُسَلِّطٌ * لو شئْتَ أضحَوْا هامِدينَ جُمودا

وقول عروة بن الورد:

قَليلٌ ذَنبُهُ وَالذَنبُ جَمٌّ * وَلَكِن لِلغِنى رَبٌّ غَفورُ

وقول لقيط بن شيبان:

إِذا ما اِمرؤٌ أَهَدى لِمَيتٍ تَحِيَّةً * فَحَيّاكَ رَبُّ الناسِ عَنّي أَدهَمُ

وقول ميثاء المجاشعية:

يا ربّ ربَّ البيت والحُجّاجِ

وفى القرآن الكريم: "ولئن سالتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله"، وقد تكررت مرات، مما يدل على أنهم كانوا يعرفون أن "خلق" تعنى أوجد من العدم وأنها، بهذا المعنى، خاصة بالله سبحانه: "وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ" (العنكبوت/ 61)، "وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ" (لقمان/ 25)، "وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ" (الزمر/ 28)، "وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ" (الزخرف/ 9). وكان زيد بن عمرو يعيب على قريش ذبائحهم ويقول: الشاة خلقها الله وأنزل من السماء ماءً وأنبت لها من الأرض نباتا ثم تذبحونها على غير اسم الله! إنكارا لذلك وإعظاما له".

وفى شعر الجاهلية ورد هذا الفعل بهذا المعنى كقول حذيفة الهذلى:

أَلا يا فَتىً ما نازَلَ القَومَ واحِدا * بِنَعمانَ لَم يُخلَق ضَعيفا مُثَبَّرا

وقول عدى بن زيد:

أَلا مَن مُبلِغُ النُعمانِ عَنّي * عَلانِيَةً فَقَد ذَهَبَ السِرارُ

بِأَنَّ المَرءَ لَم يُخلَق حَديدًا * وَلا هَضبا تَرَقّاهُ الوَبارُ

وقول قس بن ساعدة الإيادى:

الحَمدُ لِلَّهِ الَّذي * لَم يَخلُقِ الخَلقَ عَبَثْ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير