تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يشترك كل من المسيحيين و"المؤمنين" في أن كلا منهما يؤمن بالحق ويعترف بالقرآن، وكلاهما يؤمن بالله ولديه الرغبة في دخول الجنة؛ وبالتالي لم يكن القرآن غريبا بالنسبة لأولئك المسيحيين، وهم لم يكونوا مغتربين في قراءته؛ ولذا فقد بكوا عند سماعه تأثرا وخشوعا، فهل الأمر نفسه ينطبق على مسيحيي الغرب؟ أو بالأحرى ما توقعات القرآن حول كيفية قراءة المسيحي بشكل عام للقرآن؟.

يرى بودمان أن القرآن الكريم يفترض أن المسيحي لديه العلم الكافي ليعرف الحق الذي نزل في القرآن ويتفاعل معه عند تلاوته أو سماعه لدرجة أن تتساقط دموعه عند سماعه، والقراءة بخشوع هي التي تؤدي إلى ذلك، بل أيضا تساعد على فهم العلاقة بين تقديس القرآن من قبل غير المسلمين وبين إخلاصهم لعقيدتهم الأساسية، حيث لا يعني تقديس النصوص بالضرورة الإيمان بها أو التحول عن العقيدة الأم، كما أن تقديس القرآن لا ينكر الاختلافات بين الإسلام والمسيحية.

مع سورة الرحمن

يبدأ بودمان نفسه إعادة قراءة القرآن بروح متفتحة وقلب واع، ويختار سورة الرحمن ليغوص في معانيها التي يرى أنها تزيد من إيمانه بالله، بل تساهم في توسيع فهمه للإنجيل دون أن يترك دينه، ويركز على المعاني الإيمانية واللطائف الكونية المستمدة من السورة، ويقول إن هذه السورة هي الأقرب إلى قلبه؛ لما تتضمنه من معان ودعوات لفتح القلوب ليست فقط من ناحية روحية بل من ناحية عقلية بالتأمل في كتاب الكون المفتوح.

يتوقف بودمان عند معنى كلمة الرحمن والتي لا تعبر فقط عن اسم من أسماء الله بل عن الله ذاته، وأنه وصف نفسه في السورة بالمعلم والخالق، وصفة المعلم سبقت صفة الخالق "علم القرآن، خلق الإنسان" وهذا يبين جزءا من الاختلاف بين صفة الله في العهد القديم عن القرآن، ففي حين هو المعلم والخالق في القرآن فهو الخالق فقط في العهد القديم، بينما المسيح هو المعلم؛ لذا تأتي هذه الآية لتؤكد أن الله هو الذي علم البشرية كل شيء بدءًا من آدم "وعلم آدم الأسماء كلها"، وبالتالي ما يُعلِّمُه المسيح هو امتداد لما تعلمه من الله.

أيضا كلمة "البيان" تستوقف بودمان كثيرًا ويرى أنها أشمل في المعنى من كلمة " logos" في التوراة التي تترجم على أنها الكلمة "في البدء كانت الكلمة" فالبيان أعمق وأدل، ثم تتوالى المقارنات والزوجيات في الآيات التالية "الشمس والقمر بحسبان، والنجم والشجر يسجدان ... " وكأنها تعبير عن جزء من هذا البيان، حتى تأتي كلمة الثقلين لتدل على شمولية خطاب القرآن الكريم للإنس والجن جميعًا؛ ولذا فإنها دليل على أن القرآن يخاطب المسيحيين أيضا لأنهم من الإنس، ثم يأتي تكرار الآية "فبأي آلاء ربكما تكذبان" إحدى وثلاثين مرة لتخاطب الثقلين وتستنكر تكذيب البعض بآيات القرآن والكون.

ويحاول بودمان أن يوسع من فهمه لمعنى كلمة الثقلين؛ ويتساءل لِمَ لا يكون المقصود بضمير المخاطب في كلمة "ربكما" ليس فقط الإنس والجن بل ربما المسلم وغير المسلم؟

فكلمة (الثقلين) هذه حتى وإن حملت فقط على معنى الإنس والجن فهي دعوة من الله أن يتناسى الجن والإنس نقاط التباين بينهما ويشتركا معا في قراءة القرآن وتدبر آياته والإيمان بها، أفلا يمكن أن ينسحب ذلك أيضا على المسيحيين والمسلمين؟!، فيقرأ المسيحي القرآن بتدبر وخشوع ويتعلم من معانيه التي تقوي إيمانه بالله وينطلق في حواره مع المسلمين من أرضية مشتركة هي الإيمان بالله وعدم التكذيب بآياته، فخلافاتنا لا تمنحنا الحق في أن نستبعد غيرنا من شمول رحمة الله وفضله لهم، وقراءة المسيحي للقرآن لا توسع فقط من فهمه للإسلام بل أيضا من فهمه للمسيحية، وتجيب عن كثير من الأسئلة المحيرة في المسيحية، ومع ذلك يظل على عقيدته متذكرا أننا جميعا طلاب نسعى لطلب العلم.

ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[24 Jul 2010, 05:39 ص]ـ

بداية أشكرك يا أبا أحمد على إتاحتك هذا المقال للقراء هنا فجزاك الله خيراً.

قرأتُ هذا المقال ثلاث مرات، وتأملتُ في عبارات الدكتور بودمان كثيراً، وظهر لي حجم التقصير الواقع في جانب تقديم القرآن الكريم للنصارى بالطريقة المناسبة التي تدعوهم للتدبر في معانيه طمعاً في هدايتهم للحق الذي فيه، وأعجبني حرص الدكتور بودمان على تدبر القرآن مع تأكيده أن هذا بالضرورة لا يستلزم التحول عن عقيدته النصرانية. ولكنه خطوة مهمة نحو الفهم الصحيح لرسالة القرآن. والمتأمل لخطابنا الإسلامي - أو على الأقل الذي أعرفه أنا - الموجه لغير المسلمين يجد فيه نَفَساً - في الغالب- لا يشجع على الإقبال على القرآن، ولا يتناسب مع عقلية هؤلاء في الفهم.

إِنَّ رسالة الإسلام العالمية تفرض علينا دراسة أنجع السبل التي توصل القرآن ومعانيه لأوسع شريحة من هؤلاء الباحثين والراغبين في العلم وطلابه من النصارى وغيرهم بطريقةٍ هادئةٍ مهذبةٍ تُحبِّبهم في القرآن، وتفتح لهم طريق الانتفاع بما فيه من الهداية دون إشعارهم بالدونية والنقص التي تنفرهم عن هدايته، والموفق من وفقه الله للرفق في شأنه كله.

ولم أشأ التوقف مع فهم الدكتور بودمان لبعض الآيات في سورة الرحمن أو المائدة ومخالفته لما ذكره المفسرون، فهذه مسألة جزئية، ولكنني أجزم أنَّ لدى أمثال الدكتور بودمان من الباحثين النصارى وغيرهم رؤى ونظرات قد تفتح الباب للباحث المسلم الجاد لمعانٍ لم يسبق التعرض لها في كتب التفسير، لطبيعة تفكير هؤلاء عن تفكيرنا، ولأنهم ينظرون للقرآن من زاوية لا ينظر المسلم إليه من خلالها.

نسأل الله أن ينفعنا بهدي كتابه، ويرزقنا فهمه والدعوة إليه بأحسن سبيل،،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير