تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ونصر حامد أبو زيد على أهمية المعالجة التاريخية أو قراءة مسار القرآن من خلال تفاعله مع الواقع. يقول الجابري «نسجل هنا شعورنا بأننا قد تمكنا من جمع شتات حقائق تاريخية على درجة كبيرة من الأهمية. نعتبرها ضرورية في أي فهم للقران وبالتالي للإسلام». (راجع صفحة 62 من كتاب مدخل الى القرآن). وهو الأمر ذاته، الذي يطمح اليه نصر حامد بقوله: «البدء بالواقع معناه البدء بالحقائق التي نعرفها من التاريخ». (راجع صفحة 27 من كتاب مفهوم النص في علوم القرآن). وهذا ما يسمه الكاتب المصري بجدلية النص بالواقع من تناول ظاهرة الوحي والنبوة، وعلاقة المكي والمدني بعلوم القرآن، ولواحقها من المقيد والمطلق أو المحكم والمتشابه، والإعجاز… وهي موضوعات كتاب الجابري ذاته. بيد أننا نسجل نقط القوة في انتقادات نصر حامد أبو زيد للقدماء في محطات كثيرة ومنها: نقده لمعايير المكان والمخاطبين… يقول نصر: «لكن هذا المعيار معيار ناقص. ذلك أن مخاطبات القرآن كثيرة» (راجع صفحة 77 من كتاب مفهوم النص في علوم القرآن)، في الوقت الذي يكتفي فيه الجابري بقوله في هذه المناسبة أن «الخطاب القرآن في مكة يتحرك ضمن المجال التداولي السائد: توحيد شرك، إيمان كفر. وأما في المدينة فالأمر يختلف» (راجع صفحة 182 من كتاب مدخل الى القرآن). غير أننا نتوقف في نص الجابري عند قضايا جديدة وجادة. وهو تناوله لمسألة أمية النبي. أي أن الأمي كلفظ لا يوجد في اللسان العربي،بل أن الزجاج قد أحدثه كاجتهاد ذاتي، فسار على نهجه اللاحقون. وأما قصد القرآن بالأميين فيعني الذين لا يتوفرون على كتاب في مقابل اليهود والنصارى.

وهذه المسألة عرج عليها نصر حامد أبو زيد في قوله: «ما أنا بقارئ» لا تعني الإقرار بالعجز عن القراءة. فهذا الفهم يصح في حالة الخطأ في فهم معنى» اقرأ» (راجع صفحة 66 من كتاب مفهوم النص في علوم القرآن.). كما ان الجديد لدى الجابري إنما يكمن في الموضوع وليس في المنهج، كما قلنا آنفاً، اعني ان الجابري تمكن من» الترتيب حسب النزول هو التعرف على المسار التكويني لنص القرآن باعتماد مطابقته مع مسار الدعوة المحمدية، فإن دور المنطق أو الاجتهاد لا بد من أن يكون مركزياً أساسياً على المطابقة بين المسارين: مسار النبوة ومسار التكويني للقرآن» (راجع صفحة 223 من كتاب مدخل الى القرآن الكريم). وهذا الأمر لم يلتفت اليه أستاذنا نصر حامد أبو زيد.

وعلى هذا فإن الاختلاف بين نصر حامد أبو زيد والجابري إنما يصدر عن توسل صاحب كتاب مفهوم النص بالبعد اللغوي وتحليل النص وعلاقته بالمتلقي أو القارئ .. ووفق تصورات حديثة لمقولات اللغة كنظام من العلامات لها دلائل ومدلولات. أما الجابري فإنه ينحو منحى بنيوي وتاريخي في تتبع مسار القرآن وعلاقته بالسيرة، وبالأديان الأخرى. لهذا اكتسى البعد التاريخي أهمية كبيرة في نص الجابري.

على رغم وقوفنا على بعض المقاطع التي قد توحي للقارئ التوافق في المضمون، بيد أن الاختلاف هو في المنطلق والرؤية. إلا أن التحالف أو التوافق إنما يكمن بين هذين المفكرين في البعد الإيديولوجي. هذا الأخير الذي يظهر من خلال مناهضتهما للنظام العرفاني الإشراقي الغنوصي. لنستمع الى مقولة الجابري: «عرضنا لـ» حدث الوحي» المحمدي في إطاره الأصلي الخالص، وكشفنا عن التأويلات الإيديولوجية الفلسفية منها والسياسية التي ابتعدت به عن «العقل القرآن» لترتمي به في أعماق ما سبق أن سميناه» اللامعقول العقلي» (راجع صفحة 395 من كتاب مدخل الى القرآن الكريم). وأما نصر حامد أبو زيد فقد انتقد الغزالي في نهاية كتابه مفهوم النص، بقوله والحقيقة أن موقف الغزالي من التأويل يتسم بكثير من التناقض الذي يمكن أن يعزوه الى محاولة جمعه بين النهج الأشعري وهو نهج كلامي تلفيقي وبين النهج الصوفي وهو نهج حدسي ذوقي…» (راجع صفحة 282 من كتاب مفهوم النص في علوم القرآن.). والمتأتى من ذلك أن الجابري ونصر حامد أبو زيد قد التقيا في الصراع الأيديولوجي ضد العرفانيات المتفشية في بنيات المجتمع العربي، على رغم اختلاف الرؤية والمنهج في دراستهما للقرآن.

المصدر: جريدة الحياة.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير