تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الشخص إذا لم يحسن الفكر فإنه يقع فى الكفر. فما رأى القراء فى هذا؟

ثم لقد فات نصر أبو زيد أن النقل مطلوب مثلما النقد مطلوب، وكما أن النقل قد يكون معيبا إذا تم على نحو عميانى، فإن النقد قد يكون معيبا إذا تم دون استكمال أدواته من القراءة الواسعة والعقل القوى والتمحيص الدقيق والأناة فى استخلاص النتائج والاستعداد الدائم لمراجعتها وتصحيحها والرجوع عنها إذا تبين له أنه كان مخطئا أو غير دقيق ... وهكذا. ولنكن على ذكر من أن الإبداع والنقد لا يمكن أن يتمّا إلا إذا كانت هناك مادة من المعلومات يستندان إليها. وهذه المادة تأتى من النقل، حتى إذا استحصد عقل الشخص استطاع أن يمارس النقد والإبداع. أما أن يبدأ نقده وإبداعه وليس فى عقله شىء، فكيف يستطيع ذلك؟ ترى هل يمكن أن يبدأ الطفل بالاستقلال فى التفكير وليس فى ذهنه أية معلومات قد لُقِّنها فى المدرسة والبيت مثلا؟ ترى هل يمكن أن تدور الرحى على الفاضى دون أن يكون هناك حب تدشّشه؟ إنها فى هذه الحالة سوف تتآكل بالاحتكاك دون حَبٍّ وتظل تطحن نفسها حتى تتفتت وتنتهى.

وإنى لأسأل: ومن أين أتى نصر أبو زيد بما كتبَه فى أبحاثه؟ أليس من النقل من كتب الآخرين؟ إن هذا ليس اتهاما، فنحن أيضا ننقل عن الآخرين، وإلا ما استطعنا أن نؤلف ما ألفناه. إذن فالنقل ليس مسبة حتى ينصب المشانق للمتدينين ظنا منه أنه يستطيع تشويه صورتهم. إنما العيب كل العيب فى أن يكون الكاتب فقيرا فى النقل إلى الحد الذى يخلط عنده ذلك الخلط الشنيع الذى خلطه أبو زيد بين العصر الأموى والعصر العباسى حتى ليجعل الشافعى يتعاون مع الأمويين ويتولى لهم عملا إداريا فى اليمن. ولسوف نأتى إلى هذه النقطة بعد قليل. لكن ذلك لا يعنى أبدا أن يتوقف الشخص عند النقل مثلما يفعل الدكتور نصر مع المفاهيم والمصطلحات الحداثية، التى ينقلها عن النقاد الغربيين أو بالأحرى: عن مترجميها عن النقاد الغربيين، ثم يضطرب فى تطبيقها على الفكر العربى كما سوف يتضح من هذه الدراسة التى فى يد القارئ الكريم لأنه لم يقرإ التراث العربى الإسلامى كما ينبغى. أى كان حظه من النقل عن هذا التراث ضئيلا. لقد صور المرحوم إبراهيم المازنى هذه العملية تصويرا فكاهيا، وإن كان مع هذا صادقا وبديعا أيضا، إذ قال إنه يشبه عربة الرش التى يذهب بها السائق إلى محطة الماء ليملأها ثم يدور بها فى الشوارع فاتحا صنابيرها يرش الأسفلت الملتهب إلى أن تفرغ مما فيها من ماء فيعود بها إلى المحطة كرة أخرى لملئها من جديد ... وهكذا. ووجه الشبه أنه يحتاج دائما إلى الرجوع إلى الكتب ليستقى مادته التى يستند إليها فى التأليف، وأنه كلما انتهى من مقال له أو كتاب شعر أنه عربة رش فرغت من الماء، مما يستلزم منه أن يعود فيملأ عقله بقراءات جديدة يستند إليها فى تأليف شىء جديد ... إلخ. فهذا كاتب من كبار كتاب الأب العربى فى كل العصور يرينا فى هذه الصورة الفكاهية الجميلة الساحرة كيف أن النقل شىء أساسى لا يمكن أن يستغنى عنه الكاتب مهما كان عبقريا مثله رحمه الله.

وقد كتب أحد طلاب الدكتور نصر تعليقا فى بعض المنتديات يتبين منه أن حظ الدكتور من المعلومات التى تحتاجها موضوعات أبحاثه قليل، وهو ما كان يوقعه فى المآزق. قال الطالب المذكور، واسمه نور أبو مدين: "الدكتور نصر ليس متخصصًا في الدراسات القرآنية، بل في علم اللغة، ولكنه أقحم نفسه في تخصص غير تخصصه. لذلك أتى بالأعاجيب شأن كل من يتحدث في غير فنه. وسأحدثك عن واقعة جرت لي شخصيًا معه في ذلك، إذ أنني كنت ضمن أول دفعة يدرس لها الدكتور نصر كتابه: "مفهوم النص" بعد عودته من اليابان. ولم يكن الكتاب قد طبع بعد، وإنما كان مجرد مذكرات مكتوبة على الآلة الكاتبة (نعم الآلة الكاتبة وليس الكمبيوتر، فقد كان ذلك منذ 16 عاما). ودرسه لنا ضمن مادة "علوم القرآن"، التي أُسْنِد إليه تدريسها بقسم اللغة العربية بكلية الآداب. كما درس لنا مادة "علوم الحديث" والتي لم يكن هو نفسه دَرَسَها من قبل. ولا أقول ذلك على سبيل التخرُّص، بل كلي يقين من ذلك للحادثة التي ساقصها عليك: كان الدكتور قد قرر علينا كتاب "الباعث الحثيث" وبعض أجزاء من كتابَيْ "فجر الإسلام" و"ضحى الإسلام" لأحمد أمين ... وكان الدكتور يشرح كلام أحمد أمين ويتجنب شرح كتاب "الباعث الحثيث"،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير