تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ناهضة نهضة مادية تجارية ونهضة دينية وثنية. وهي بحكم هاتين النهضتين كانت تحاول أنتوجد في البلاد العربية وحدة سياسية وثنية مستقلة تقاوم تدخل الفرس والروم والحبشة وديانتهم في البلاد العربية. وإذا كان هذا حقا، ونحن نعتقد أنه حق، فمنالمعقول جدا أن تبحث هذه المدنية الجديدة لنفسها عن أصل تاريخي قديم يتصل بالأصول التاريخية الماجدة التي تتحدث عنها الأساطير. وإذن فليس ما يمنع قريشا من أنتقبل هذه الأسطورة التي تفيد أن الكعبة من تأسيس إسماعيل وإبراهيم كما قبلت روما قبل ذلك ولأسباب مشابهة أسطورة أخري صنعها لها اليونان تثبت أن روما متصلة بإنياس بن بريام صاحب طروادة. أمر هذه القصة إذن واضح، فهي حديثة العهد ظهرت قبيلالإسلام لسبب ديني، وقبلتها مكة لسبب ديني وسياسي أيضا".

إذن فهذا النص الدينى القرآنى ليست سوى أسطورة وجدها محمد جاهزة فاستغلها. وهذا التصرف من جانبه لا يعنى إلا شيئا من شيئين: أنه كان على علم بأسطوريتها، لكنه قبلها بغرض نفعى لا علاقة له كما نرى بحق أو باطل، فهو إذن رجل براجماتى مكيافيلى، الغاية عنده تبرر الوسيلة، أو أنه كان رجلا جاهلا فصدق هذه الأسطورة ورددها فى قرآنه ظنا منه أنها حق لا ريب فيه. ومن كان عنده تفسير ثالث فليوافنى به، وله المثوبة والأجر من الله! والعقل الغيبى الخرافى الأسطورى هو الذى يصدق ما جاء فى القرآن ويأخذه على أنه حقيقة تاريخية، أما العقل العلمى فيرى فيه أسطورة ملفقة زيفها العرب فى الجاهلية، ثم جاء الإسلام فاستغلها لأسباب سياسية. ومن كان لديه تفسير مختلف لما قاله كل من طه حسين ونصر أبو زيد فله كل الشكر إذا أمدنا به. أما الرد على ذلك الكلام الفارغ الذى تقيأه طه حسين فليس هنا موضعه، إذ تولى كتابى: "معركة الشعر الجاهلى بين الرافعى وطه حسين" وبحثى المنشور فى المشباك: "نظرية طه حسين فى الشعر الجاهلى: سرقة أم ملكية صحيحة؟ " هذه المهمة. وكانت نتيجة نشرى لكتابى عن "معركة الشعر الجاهلى" أن انقضت على صاحب الكتاب قوى الظلام والبطش الإجرامى التى لا تطيق أن يخالفها أحد، وبخاصة إذا كشفت المخالفة زيف كلام طه حسين وبينت بالأدلة المنهجية الصارمة سخفه وتهافته، نعم انقضت قوى البطش الإجرامى التى تضرب ضربتها فى ظلام الليل البهيم دائما ولا تظهر فى نور النهار أبدا وانهالت بالمطارق الحديدية الثقيلة على دماغه تريد تحطيمه، وهيهات. وقد احتسبنا نحن ما وقع علينا من أَذَى المجرمين التافهين عند الله، الذى لا يضيع عنده ما يحتسبه عبده الراجى رحمته وثوابه.

وبهذه المناسبة فقد قال طه حسين أيامئذ فى بعض الصحف إن "العالِم ينظر إلى الدين كما ينظر إلى اللغة، وكما ينظر إلى الفقه، وكما ينظر إلى اللباس، من حيث إن هذه الأشياء كلها ظواهر اجتماعية يحدثها وجود الجماعة وتتبع الجماعة فى تطورها. وإذن فالدين فى نظر العلم الحديث ظاهرة كغيره من الظواهر الاجتماعية، لم ينزل من السماء ولم يهبط به الوحى، وإنما خرج من الأرض كما خرجت الجماعة نفسها، وإن رأى دوركايم أن الجماعة تعبد نفسها، أو بعبارة أدق: أنها تؤله نفسها" (مصطفى صادق الرافعى/ تحت راية القرآن/ المكتبة العصرية/ بيروت/ 1423هـ- 2002م/ 267). وبهذه المناسبة أيضا هناك بحث لإسماعيل أدهم بعنوان "طه حسين- دراسة وتحليل" نشرته سامى الكيالى صاحب مجلة "الحديث" الحلبية عام 1938م، يمدح فيه أدهم الدكتور طه واصفا إياه بالإلحاد والثورة على الدين، ومشيرا إلى رأيه فى الأديان الذى نقلناه لتونا. فيمكن القارئ أن يرجع إليه ليتأكد مما نقول.

ومما يتصل بهذا الأمر تأكيد أبو زيد أن الدين الذى يدعو إليه هو الدين بعد تصفيته من الأساطير (انظر "نقد الخطاب الدينى"/ 30). ولنلاحظ أنه يقول: "الدين"، وليس "التدين"، وإن عاد بعد قليل قائلا إنه قد اتضح الآن الفرق بين الدين والتدين. يقصد أنه لا يهاجم الدين بل التدين كما يمارسه بعض المسلمين. إلا أن كلامه الأصلى لا يتحدث إلا عن الدين. نعم الدين نفسه لا فَهْم الناس له. فهل فى الإسلام أساطير؟ وما هى يا ترى؟ ثم كيف ننقيه منها؟ لقد وضعنا أيدينا، عند تحليلنا لكلام الدكتور نصر عن طه حسين فى سياق هجومه على ما سماه: "العقل الغيبى الخرافى الأسطورى"، على مثال مما يُعَدّ عند القوم من الأساطير، وهو زيارة إبراهيم لبلاد

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير