تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهذا الكلام يتعارض تعارضا مع القرآن وحديثه عن اللوح المحفوظ. والواقع أن د. نصر قد تورط بهذه الطريقة فيما أخذه على بعض العلماء القدامى، إذ أقحم نفسه هو أيضا فيما لا قِبَل له ولا لنا به، وإلا فهل اطلع سيادته على الغيب وتحقق من أن القرآن لا يقول الحق وأنه لا وجود لذلك اللوح المحفوظ فى الواقع؟ وعلى أية حال فلا مشكلة بتاتا فى هذا اللوح المحفوظ، إذ هو سبحانه فوق الزمان والمكان، بل هو خالقهما، فكيف يقيدانه عز وجل؟ وإذا كنا نحن نعيش داخل هذين القفصين فإن الله سبحانه متعالٍ عليهما لأنه خالقهما، فليس هناك بالنسبة له قبلٌ ولا بَعْدٌ. والقول بأن القرآن منتج ثقافى كلام غير مقبول، فنحن لسنا فى مصنع ينتج النصوص الدينية، بل هو كلامه عز وجل. فالقرآن، وإن ظهر لنا فى التاريخ تدريجيا، ليس كذلك بالنسبة إلى الله، وإلا كنا قد حولناه سبحانه وتعالى بهذه الطريقة إلى بشر محصور فى الزمان والمكان لا يظهر أى شىء من الأشياء له إلا قليلا قليلا مع مرور الوقت، إلى أن يتم تشكيله فيراه كاملا لأول مرة مثلنا بالضبط. فهل هذا مما يليق به سبحانه، وهو الأزلى الأبدى الذى لا تحد وجوده ولا علمه ولا قدرته ولا إرادته أية حدود، زمانية كانت هذه الحدود أو مكانية أو ... أو ... ؟ ولقد كان القدماء، ولا نزال نحن أيضا كلنا، اللهم إلا نصر أبو زيد وأمثاله، نؤمن باللوح المحفوظ ولا نرى القرآن منتجا ثقافيا، بل نؤمن بأنه كلام الله، نزل من السماء على الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، ومع هذا فلم يحوله القدماء إلى شىء يتبركون به، وكفى، بل وضعوه موضع التنفيذ من أول وهلة، فكانت تلك الانبعاثة الحضارية التى ليس لها مثيل فى التاريخ، مما يكذّب كل ما قاله د. نصر تكذيبا. ثم فلنفترض أن العرب قد رفضوا القرآن الكريم ولم يؤمن به أحد منهم البتة، أيتصور الكاتب أنه ما كان ليكون للقرآن وجود؟ ألن تنزل الآيات حينئذ على النبى عليه السلام رغم ذلك فتكون حجة على الكافرين؟ وهل سيكون القرآن عندئذ قد فُرِض على الواقع بقوة إلهية؟ إن هذا إنما يكون لو أن الله عز فى علاه أكره الناس على الإيمان بكتابه دون أن يقتنعوا بصحته وبصدق النبى الذى أتاهم به، وهو ما لم يقع، وما كان ليقع، إذ ليس من مبادئ الإسلام فرض الإيمان على أحد، بل من شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر.

أما فيما يتعلق بما قاله د. نصر أبو زيد عن الإمام الشافعى فى الطبعة الأولى من كتابه عن ذلك الإمام الجليل من أنه كان يتعاون مع الأمويين وأنه قد تولى عملا لهم فى اليمن، مما جعله أضحوكة الكتاب والنقاد المحققين ووضعه عن حق فى مرمى سهامهم، فقد عاد إلى تناول هذا الموضوع فى كتابه: "التفكير فى زمن التكفير" (ط2/ مكتبة مدبولى/ 1995م/ ص171) قائلا بمداورته المعهودة: "ولعل هذا يضطرنا للرد على الضجة الإعلامية الزائفة التى وجدت فى خطإ طباعى فى الكتاب نكتة تقيم الدنيا ولا تقعدها حيث تحولت كلمة "العلويين" إلى "الأمويين" فى صفحة كاملة. ورغم أن هذا خطأ لا يقع فيه تلميذ بليد كما أقر الجميع ورغم أن الصفحة التالية لصفحة الأخطاء تلك تتحدث عن نفور الشافعى من النظام العباسى، خاصة من المأمون، فإن ذلك لم يلفت النظر لأن العين الناظرة لا تقرأ ولا تفهم بل تتصيد. ولم يتنبه المهاجمون إلى أن هذا الخطأ الطباعى المصوَّب فى ثبت التصويبات فى آخر الكتاب لم يتوقف عند إمامهم الأعظم عبد الصبور شاهين لأن النسخة التى كانت بين يديه كانت مصححة باليد علاوة على ثبت التصويبات فى آخر الكتاب.

تنبه بلتاجى وأشار إليه لا على أنه خطأ طباعى بل على أنه "جهل" من الباحث. وقامت جريدة "الشعب" بدور "الطبال" فى الزفة، وعنها نقل مصطفى محمود وعنه نقل محمد الغزالى ... وهلم جرا. ثم كانت ثالثة الأثافى "محمد جلال كشك"، الذى راح على مدى خمس مقالات فى "أكتوبر" يعيد ويزيد، ويرغى ويزبد، ويؤلب العامة والخاصة رحمه الله وغفر له. وكان ذلك كله دليلا على إفلاس المتهجمين ودلالة على قدر عقولهم وقدراتهم. هكذا صار هذا الخطأ الطباعى دليلا على تدنى المستوى العلمى للباحث وهبوطه بحيث صار قرار الجامعة بعدم الترقية قرارا صائبا حكيما فى نظر الحكماء من المتاجرين بالإسلام.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير