تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كل كتاب، إذ الألفاظ والعبارات محدودة العدد فى أى كتاب بالنسبة إلى محيط اللغة الزخار. كذلك لم يحدث أن قال أحد من العلماء بعدم إمكان تفسير القرآن، فضلا عن أن عدد كتب التفسير الهائل يدل على نقيض ما يهرف به نصر أبو زيد. بل إن معظم كتب التفسير، كأى شىء آخر فى الحضارة العربية الإسلامية، قد ألفها غير عرب بحكم قلة عدد العرب فى الأمة. ثم إن أبو زيد، بعد كل هذه الضجة المصمة والمماراة المزهقة للأنفاس، يعود (ص22) فيقول بصعوبة الأمر فقط لا باستحالته، وعلى غير العربى وحده لا على العربى أيضا، وهو ما يكذبه الواقع والتاريخ حسبما أشرنا قبيل قليل. وهكذا يراوغنا الدكتور أبو زيد من صفحة إلى صفحة، وكأنك يا أبا زيد ما غزوت! ثم هو فى نهاية المطاف يفشل فشلا ذريعا.

وهو يزعم أيضا (ص15 من الكتاب السابق) أن قول الشافعى بنقاء القرآن من أية ألفاظ أعجمية إنما يمثل انحيازا أيديولجيا للقرشية التى بدأت يوم السقيفة. ترى ما علاقة ما قاله الشافعى، وهو خاص بـ"اللغات الأعجمية"، بما يقوله نصر أبو زيد مما يتعلق بـ"اللهجة القرشية"؟ ألا إن هذا لَخَلْطٌ شنيع. كما نراه يربط أيضا بين ذلك وبين أموية الشافعى المزعومة، إذ كان الأمويون ينزعون منزعا عروبيا على عكس العباسيين، الذين اعتمدوا فى نجاح ثورتهم ضد الأمويين على الفرس. وقد تبين أن ما قاله د. نصر عن ميول الشافعى نحو الأمويين وتعاونه معهم وتوليه عملا لهم بنجران إنما هو سمادير لا يفهمها العقلاء، فضلا عن العلماء، فلا داعى إذن لفتح هذا الجرح القديم. ثم أترى الشافعى، لو كانت ميوله عباسية، يقول بوجود ألفاظ أعجمية فى القرآن؟ فلماذا؟ هل العباسيون أعاجم، والأمويون هم وحدهم العرب؟ ألا يرى القارئ معى كيف يتخبط الرجل فى أفكاره وآرائه؟

وبهذه المناسبة فليس فى قول الشافعى بأن الخلافة ينبغى أن تكون فى قريش ما يؤخَذ عليه رضى الله عنه لأن المعروف أن قريشا فى ذلك الوقت كانت هى زعيمة العرب بسبب البيت الحرام الذى يقصدونه من كل أرجاء البلاد ويوقرون قريشا لقيامها على حفظه والقيام عليه، فضلا عن أن النبى صلى الله عليه وسلم منهم وأنهم هم أول من تلقى القرآن. ولو كانت المسألة مسألة عصبية لكان الشافعى رضى الله عنه قد قال إن الخلافة ينبغى أن تكون فى بنى هاشم، إذ هو هاشمى. فقوله بقرشية الخلافة معناه أنه لا يرى توارثها فى بنى هاشم، وهو موقف تقدمى عظيم لو عقلنا مرامى الكلام. ولقد اتهمه نصر أبو زيد أنه كان ضالعا مع العلويين، وذلك حين أراد أن يتخلص من المأزق الذى أوقعه فيه جهله فذكر عمالته للأمويين. فقوله رغم هذا إن الخلافة قرشية لا هاشمية ولا علوية معناه أنه كان فقيها عظيما لا تتدخل العصبيات القبلية فى أحكامه الفقهية. وهذا مثل قيام الجامعة العربية فى القاهرة دون بقية العواصم العربية. وإذا كان الأمر قد شذ فانتقلت الجامعة إلى تونس أثناء مقاطعة العرب لمصر بسبب زيارة السادات لإسرائيل وعقده معها صلحا فالمعروف أنه ما إن انتهت تلك المقاطعة بعد وفاة السادات حتى عادت الجامعة إلى مستقرها فى القاهرة. وحين كان الإعلام المصرى فى المقدمة كان العرب لا يعدلون بالإعلام المصرى أى إعلام آخر، أما بعدما تفوقت قناة "الجزيرة" عليه فقد انتقل العرب، ومعهم المصريون أيضا، إلى متابعة تلك القناة. وهكذا الحال مع قرشية الخلافة، إذ انتقلت الخلافة بعد هذا إلى الأتراك حين تخلى العرب، قرشيين وغير قرشيين، عن واجبهم نحو الإسلام. وقد درج المسلمون منذ عشرات السنين على المناداة باسم صلاح الدين الكردى دون أى قرشى، بَلْهَ دون أى عربى، يتمنَّوْنَ لو عاد فخلصهم من الهوان الذى هم فيه. والآن يعلقون آمالهم بأردوغان التركى، إذ نظروا حولهم فوجدوا جميع الزعماء العرب منبطحين أذلاء، فرَجَوْا أن يكون أحسن منهم، وانتظروا حصول الخير على يديه.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير